عروبة الإخباري – كشف القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور رحيل الغرايبة أنه في عام (1978) اقترح التنظيم الفلسطيني للإخوان الذي كان مقتصراً على إخوان غزة فقط، وكانت قيادته في السعودية أن يندمج مع تنظيم إخوان الأردن، وفعلاً تم الاندماج تحت مسمى «تنظيم بلاد الشام» وبقي هذا الشكل الموحد حتى عام (2006).
وبين الدكتور الغرايبة في دراسة له حول جماعة الاخوان أن هذا التوحيد كان له أثر بارز في برامج الحركة واهتماماتها، حيث أن العمل لفلسطين والقضية الفلسطينية أصبح في مقدمة أولوياتها وخطابها السياسي كذلك.
وذكر في دراسة تنشر الراي اليوم الحلقة الثالثة والأخيرة منها، أن اللجنة التي كانت مختصة في هذا الشأن كان اسمها (لجنة فلسطين) تحولت إلى (قسم فلسطين)، ومن ثم تطور القسم وتحول إلى (جهاز فلسطين) الذي بقي تحت إدارة الإخوة الذين كانوا يشكون تنظيم فلسطين قبل الوحدة، وانضم إليه آخرون في الكويت والمهجر، والجهاز هو الذي أشرف على ولادة حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» عام (1987) على إثر إندلاع الانتفاضة الأولى في غزة والضفة.
وتم بلورة فصيل فلسطيني إسلامي مقاوم له قيادة سياسية وقيادة عسكرية، وانطلق هذا الفصيل في الساحة الفلسطينية ليحتل رقماً صعباً ومنافساً، وورث جهد الإخوان والحركة الإسلامية لأعوام طويلة، بالإضافة إلى الدعم والمساندة من كل فروع الحركة الإسلامية في جميع دول العالم، ودعم وتعاطف الشعوب العربية والإسلامية، وأصبحت حماس حركة فلسطينية سياسية ولكنها ما زالت تابعة لتنظيم بلاد الشام، وتحت قيادة الإخوان المسلمين في الأردن.
محطة إغلاق مكاتب حماس
ولفت الدكتور الغرايبة إلى أن المحطة الأكثر تأثيراً في صياغة الخلاف الداخلي وبناء اصطفافات جديدة داخل الجماعة هي محطة إغلاق مكاتب حماس، إذ أنها غيرت المزاج الداخلي، وخلقت اصطفافاً جديداً يقوم على أسس ديموغرافية أكثر من أي أساس آخر، وأدت هذه الخطوة إلى تمزيق صف المعتدلين بالدرجة الأولى حيث كانوا هم في سدة القيادة، واتهموا حينها بالتخاذل عن نصرة حماس، والعجز عن مواجهة خطوة الابعاد، وذهب بعضهم إلى مقولة تواطؤ القيادة مع الحكومة في هذه الخطوة، وحدث تراشق بالاتهامات أدت إلى استقالة القيادة، وعزلة بعضهم حيث ما زال بعضهم معتزلاً، هذا الحدث أدى إلى ولادة تيار جديد داخل الحركة الإسلامية اطلق عليه التيار الرابع وهو تيار حماس.
وأوضح الدكتور الغرايبة ان المستفيد الأكبر داخل الجماعة من هذا الحدث على وجه التحديد هم مايطلق عليهم «الصقور» فعادوا إلى الظهور والانتعاش مرة أخرى من خلال إيجاد تحالف جديد بدا يظهر داخل الجماعة يتشكل من أنصار حماس داخل التنظيم مع الصقور المتشددين، وأصبح هذا التحالف الأكثر نفوذاً وانتشاراً واستطاع اقتسام المناصب القيادية، وأصبح الآن هو صاحب الجولة، وهو الذي يحكم قبضته على الجماعة، ووجد الصقور في ذلك فرصة ذهبية لإعادة تلميع انفسهم من خلال إظهار خطاب جديد يقوم على احتكار مناصرة حركة حماس وخطها الجهادي، وفي مقابل ذلك تم شن خطاب إعلامي داخلي يبرز خصومهم على أنهم خصوم حماس وأنهم أقرب إلى الدولة والنظام ومنهج المهادنة مع الأنظمة الحاكمة.
محطة استقلال «حماس»
وبين أن فكرة استقلال حماس عن تنظيم الإخوان في الأردن بدأت مرة أخرى تراود القائمين على الحركة، حيث كانوا يرون إن تبعيتهم لإخوان الأردن يمثل قيداً على تحركاتهم السياسية لعدة اعتبارات:
الاعتبار الأول: أن حماس تعتمد منهج المقاومة، بينما إخوان الأردن يعلنون عن أنفسهم انهم حركة سلمية قانونية تتبع الدولة الأردنية.
الاعتبار الثاني: أن حماس تعد نفسها فصيلاً فلسطينياً يحاول أن يسهم في تمثيل الشعب الفلسطيني، في ظل استقلال الشعب الفلسطيني في إطار منظمة التحرير التي تم الاعتراف العربي بها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني عام (1974) في مؤتمر الرباط، والانتقال إلى محطة أوسلو وما نتج عنها من بلورة السلطة الفلسطينية التي استقلت بإدارة شؤون الشعب الفلسطيني.
ورأى الدكتور الغرايبة أن استقلال حماس، أمر منطقي وأصبح ضرورة رغم معارضة الإخوان المسلمين في الأردن، وكنت أحد هؤلاء الإخوان المعارضين للخوف من أثر هذا الاستقلال على وضع تنظيم الإخوان في الأردن.
وقال الغرايبة إن «اقتراح الانفصال نضج وتحول إلى حقيقة وبارك مكتب الإرشاد هذا الاستقلال بعد جولات طويلة من الحوارات والنقاشات التي تخللها حوارات حادة أحياناً، وتم إعلان استقلال تنظيم حماس بوصفها الوريث الشرعي لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين (الضفة وغزة) والمهجر».
وذكر أن استقلال حماس التنظيمي رافقه صعوبة تطبيقيه بالغة على الأرض، وكانت المشكلة الحادة في كيفية التعامل مع (المكاتب الإدارية التي كانت جزءاً من تنظيم الأردن) التي تشرف على عمل المغتربين في دول الخليج العربي، حيث أن الأغلبية الكبيرة من أصول فلسطينية، وكانوا يشكلون جسماً واحداً، بعضهم من غزة ولا صلة لهم بالأردن، وبعضهم يحمل الجواز الأردني ولا يحمل رقماً وطنياً، وبعضهم يحمل الجواز والرقم الوطني، وبعضهم إخوان شرق أردنيين، ولذلك وقعت مشكلة كبيرة في كيفية حسم التبعية التنظيمية لهذا الجسم، وما زالت هذه المشكلة قائمة حتى هذه اللحظة، وأعتقد أن ما يجري داخل الحركة في الوقت الحاضر هو امتداد لما تم من عملية فك وتركيب، حيث لم يتم التعامل معها بوضوح ونضج تام، وشابها تصرفات وممارسات عديدة أدت إلى زعزعة الثقة داخل أفراد التنظيم، توحي بتوجسات مخفية لدى كل طرف أسهمت الأحداث المتوالية بزيادة حدتها وليس معالجتها.
أثر الانفكاك التنظيمي
على «الإخوان» في الأردن
ويبين الغرايبة أنه وعندما تشكلت حماس كانت جزءاً من الإخوان المسلمين في الأردن، والآن عندما استقلت سوف ينعكس ذلك حتماً على كل فرد في الحركة الإسلامية عموماً، فهناك من كان ينخرط في أعمالها وأنشطتها المختلفة الكثيرة والمتعددة وما زال، فكيف ستكون تبعيته التنظيمية، وكيف سيكون ولاؤه التنظيمي، وهو عضو في الجماعة في الأردن، ولذلك فإن القضية معقدة ومتشابكة، ولم يتم التعامل معها بصورة واضحة وحاسمة، وكان هناك من يريد هذه الحالة الضبابية من أجل تحقيق بعض الأهداف غير المعلنة، وكان هذا هو سبب الخلاف الأكثر حدة بين الأطراف داخل الحركة.
ويضيف إن «هؤلاء المنخرطون في أعمال وأنشطة تنظيمية متباينة، لا يريدون أن يفقدوا هذه الميزة بعد الانفكاك التنظيمي، وفي الوقت نفسه يريد أن يبق في تنظيم الأردن لغايات مصلحية تتعلق بالأمن والمعيشة والمصلحة الفردية والعائلية، تتعارض مع الأشواق العاطفية والهوية والمستقبل والانتماء الوطني».
ورأى الدكتور الغرايبة أن كل قضية من هذه القضايا يتعلق بها مجموعة من الأسئلة الكبيرة والصغيرة، بعضها نفسي ومعنوي وبعضها واقعي مادي وبعضها متناقض ومتشابك، وكثير منها لا يجد الاجابة، أو تصعب الإجابة عليها لأنه يترتب عليها ضريبة ليست سهلة، وربما يكون الشق العاطفي فيها هو الأكثر صعوبة وتعقيداً.(الرأي)