مرة أخرى، يوجه الملك الحكومة نحو خطوات عملية لدعم العملية الاستثمارية، ويقدم لها الأفكار الجاهزة للتنفيذ، لاسيما جلب استثمارات حقيقية تسهم في تحسين حياة المواطن، وتوفر فرص العمل للشباب الأردني.
الملك قال للحكومة حرفيا في خطاب العرش قبل أيام: “الوقت قد حان للحكومة لتقديم مشروع قانون لمجلسكم الكريم، لإنشاء صندوق استثماري أردني، يستقطب استثمارات البنوك والصناديق السيادية العربية ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد، في مشاريع وطنية تنموية وريادية، تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني وعلى المساهمين في هذا الصندوق”.
والاستثمار هو الوصفة السحرية لمشاكلنا الاقتصادية. فوجود استثمار جديد، وتحديدا التنموي منه، سيساعد في تعزيز ميزان المدفوعات، ويعظم احتياطي العملات الأجنبية. وأهم من ذلك أنه سيخفف من مشكلات البطالة المستعصية.
المطلوب الآن هو أن تلتقط الحكومة الرسالة بشكل صحيح، وتفهم مغزاها العميق، لتطبقها بشكل نافع ومفيد بعيد عن السطحية وغياب العمق؛ لأن وجود هذا الصندوق ونجاحه، سيساهمان في تغيير جزء من واقعنا الاقتصادي والاستثماري السيئ.
نواة البدء بالعمل متوفرة، وتتمثل في ما تبقى للحكومة من استثمارات في مختلف شركات المساهمة العامة بعد كل عمليات الخصخصة. إذ ما تزال الحكومة تملك نحو مليار دينار، بعضه مدرج في السوق المالي، وجزء منه غير مدرج.
هذه الملكية لم تلقَ الاهتمام المطلوب لتعظيمها، وتشرف عليها وزارة المالية حتى اليوم، رغم أنها تملك آفاقا للتطور والنمو؛ في حال توفرت بيئة مناسبة لجذب رأسمال خارجي؛ عربي أو أجنبي.
نجاح فكرة الصندوق الاستثماري ممكن، إن خرجت من الدائرة التقليدية، ووضع لها قانون يمنحها مساحة مختلفة للعمل وجذب الاستثمار، خصوصا أن القوانين المعمول بها تعيق الاستثمار أكثر مما تشجعه.
التجربة المؤسفة ليست غريبة عنا أو حتى بعيدة، إذ هي تتمثل في إنشاء هيئة الاستثمار بعد دمج المؤسسات المعنية بالعملية الاستثمارية. لكن هذه المؤسسة لم تتمكن من جذب الاستثمارات الكافية لتحقيق الأهداف الاقتصادية؛ كما فشلت في إزالة المعيقات البيروقراطية التي يعاني منها المستثمرون. وهي النتيجة التي تعكسها الشكوى المستمرة لمستثمرين فشلوا في إقامة مشاريعهم في الأردن.
وجود الصندوق الاستثماري ربما يساعد على تجاوز هذه الإشكاليات، شريطة أن تديره عقلية استثمارية فذة، بمواصفات خاصة؛ تختلف عن تلك المطلوبة للموظف العام.
ثم إن نجاح الفكرة سيؤدي إلى إنشاء صندوق سيادي استثماري يخفف الضغط على صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي الذي تتطلع إليه الحكومات عادة لحل مشكلات استثمارات متعثرة، على حساب “تحويشة” الأردنيين!
حتى اليوم، لم نسمع من الحكومة أي تعليق جدي حول الصندوق الاستثماري وماهيته. وليس مهماً التأخر في التصريح، بل المهم فعلاً وفقط، هو كيف تفكر في تنفيذ المطلب الملكي ومطلب كل الأردنيين.
والفكرة تجد لها دعامات قائمة، هي تغير نظرة بعض الدول المانحة، التي ترى أن بإمكانها مساعدة الأردن في إنشاء استثمارات ضخمة، بدلا من تقديم المنح مباشرة؛ وتحضر في الذهن هنا الدول الخليجية تحديداً. فهذا يفتح بابا واسعا لنجاح الفكرة، شريطة توفير دعم سياسي لتنفيذها، ووضع التشريعات المناسبة؛ وليس أقل أهمية من ذلك أيضا، وجود إدارة قادرة على فتح خطوط اتصال مع الصناديق العربية، وأصحاب رؤوس الأموال العربية والأجنبية.
ليس قنوطا أو تشاؤما؛ لكن مواصفات ومؤهلات الفريق الحكومي تبقي الموقف من الفكرة “متشائلا”! لأن إنجاحها يحتاج -مرة أخرى- عقلية مختلفة عما هو موجود، لتنفيذها.
لكن طالما أن الحكومة باقية، وهي من سيضع القانون المعني بالصندوق، فستبقى الكرة في ملعبها. ومن ثم، فإن عليها الاجتهاد فى التسديد نحو الهدف؛ وهو ليس إنشاء مؤسسة جديدة لا تضيف إلا هيئة أخرى إلى المؤسسات المستقلة غير المفيدة! بل الهدف والغاية تطبيق فكرة على غاية من الأهمية، كونها مفيدة للجميع.