عروبة الإخباري- بدأ الواقع السوري البالغ التعقيد ينعكس على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي واجه اولى انتكاساته الثلاثاء مع اسقاط تركيا مقاتلة روسية فوق الحدود السورية، بعد حوالى شهرين من حملة قصف جوي مركزة في سورية.
ويأتي هذا التصعيد الخطير للتوتر بين روسيا وتركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي، فيما يستعد بوتين لمحادثات مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند في موسكو الخميس حول تشكيل تحالف واسع لمواجهة مقاتلي تنظيم داعش.
ويسعى بوتين، الذي يدعم نظام الرئيس السوري بشار الاسد، الى الاستفادة من التحول في الدينامية الغربية في اعقاب الاعتداءات الدموية التي ضربت باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، وتبناها تنظيم داعش.
وفي ترجمة لترحيبه بدعوة هولاند الى تعزيز التعاون في مكافحة الجهاديين في سورية، امر بوتين جيشه بالعمل مع فرنسا العضو في الاطلسي “كحلفاء”، للمرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن محللين يقولون ان اسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية بمثابة تذكير بأن من غير المرجح ان تتوحد القوى العالمية والاقليمية في تحالف واسع نظرا الى الاختلافات الصارخة حيال النزاع السوري، وليس اقلها حول مصير الاسد، صديق موسكو وعدو تركيا والغرب.
ويقول رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع في الحكومة الروسية فيودور لوكيانوف لوكالة فرانس برس انه “من المستحيل تخيل روسيا وتركيا في التحالف نفسه”.
واستدرك “لكن الوضع لم يتغير، وربما تحسن في ما يتعلق بالتعاون بين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا”.
حلفاء تركيا في الاطلسي دعوا الى الهدوء ونزع فتيل التوتر سريعا، وشددوا على ضرورة منع وقوع مثل هذه الحوادث في المستقبل.
من جهتها، اكدت روسيا انها لن ترد عسكريا، كما قال سفير موسكو لدى فرنسا الكسندر اورلوف ان بلاده مستعدة لتشكيل “هيئة اركان مشتركة” ضد تنظيم داعش تضم فرنسا والولايات المتحدة وحتى تركيا.
لكن غضب بوتين كان جليا الثلاثاء عندما اتهم تركيا بخيانة روسيا ودعم تنظيم داعش، مشيرا الى ان موسكو قد ترد باتخاذ تدابير اقتصادية وسياسية.
وفي هذا السياق، اعتبر لوكيانوف انه “بالنظر الى وجه الرئيس أمس، فإن الخسائر التي يمكن ان تتكبدها الشركات الروسية لن تكون قادرة على ايقافه”.
واضاف ان “النموذج الكامل للعلاقات الاقتصادية مع تركيا، من سياحة ومواد غذائية وسلع استهلاكية وبناء وغيرها، سيكون تحت ضغط هائل”.
وتعرض بوتين الى حملة شرسة من النقاد المحليين على خلفية مقتل احد الطيارين الروسيين وجندي آخر خلال عملية فاشلة لانقاذ الطاقم.
والجنديان هما الحصيلة الاولى المعلنة للخسائر الروسية منذ بدأت موسكو حملتها الجوية في سورية في 30 ايلول/سبتمبر.
كما ان سقوط المقاتلة الروسية هي الاولى التي يعلن عن اسقاطها في سورية، منذ سقوط طائرة اردنية في العام 2014.
واتهم المراقب السياسي والكاتب الساخر فيكتور شينديروفيتش بوتين باقتياد البلاد الى شفا حرب مع عضو في حلف شمال الاطلسي.
وكتب شينديروفيتش على مدونة ان “الاذلال الدولي للمغامر العسكري كان سيتم بطريقة او بأخرى”، متوقعا ان الكرملين سيحاول استغلال الحادثة لتحقيق مكاسب سياسية.
وقال “لا شك في انهم سيتمكنون من استخدام صدمة البلاد لأغراضهم السياسية، وهذه ليست المرة الاولى”.
واعتبر بعض المحللين الروس ان تركيا اسقطت المقاتلة الروسية بسبب غضبها من موقف بوتين المتسلط حيال النزاع السوري والتجاهل الواضح لمصالح انقرة في البلد الذي مزقته الحرب.
وفي حين يصر بوتين على ان الطائرة لم تشكل تهديدا لتركيا، قالت انقرة ان موسكو تقصف التركمان في سورية، وهم اقلية تعتبرهم تركيا حلفاء في مواجهة النظام السوري.
ومن هذا المنطلق، يرى المحلل العسكري بافيل فيلغنهوير ان “الاتراك يريدون من روسيا ان تعترف بأن هناك منطقة على طول حدودها غير صالحة للقيام بطلعات جوية وغارات”.
واضاف فيلغنهوير في حديث لفرانس برس ان “روسيا لا تقوم بمجرد قصف التركمان، انها تمهد ممرا لهجوم من قبل الأسد وحزب الله”.
واعتبر ان هذا الامر “يمكن أن يؤدي الى تطهير عرقي للتركمان، وهو أمر غير مقبول بالنسبة الى تركيا”.
وقالت روسيا انها ستعزز قوتها النارية في سورية، وسترسل انظمة الدفاع الجوي الاكثر تقدما الى قاعدتها الجوية هناك، مضيفة انه سيتم تخصيص مطاردات لمواكبة طلعات المقاتلات الروسية.
وبناء على ذلك، فإن الحشد العسكري سيزيد بدوره من مخاطر وقوع حوادث جديدة.
واشار لوكيانوف الى انه “كلما طال امد العملية، زادت المخاطر”.
واضاف “عليك أن تكون مجنونا بالكامل للاعتقاد، بعد كل ما رأيناه في الشرق الأوسط على مدى السنوات الـ15 الماضية، ان تدخلا في حرب أهلية في الشرق الأوسط سيكون سهلا وخاليا من المشاكل”. (أ ف ب)