تبدو المفارقة الصارخة أنّ المجموعة التي حملت لواء “إنقاذ الإخوان”؛ من حكماء الجماعة وخبرائها وقادتها التاريخيين، هي نفسها التي قرّرت أنّ الحوار مع القيادة الحالية وصل إلى “طريق مسدود”، فأعلنت أمس، على لسان المراقب العام السابق سالم الفلاحات، التوجه إلى بناء إطار سياسي جديد، قد يكون حزباً سياسياً، من دون الانسحاب من الجماعة تنظيمياً!
الإطار الجديد كان مطروحاً منذ فترة، عبر مجموعة من الشباب الإخواني، الذي يشعر بالتشتت بين القيادة الحالية غير المدركة، من وجهة نظرهم، للتطورات والتحولات، ولديها حالة إنكار مستعصية لطبيعة الأزمة الداخلية الحادة من جهة، وبين الطرف الآخر؛ الجمعية الإخوانية الجديدة التي اختارت طريقاً صدامية مع الجماعة الأمّ بالاستعانة بالحكومة، ما أضعف مصداقيتها وشّل قدرتها على بناء قاعدة جماهيرية.
وفي الوقت الذي أصرّ فيه جناح الصقور في الجماعة على التمسّك بالقيادة، فإنّ جناح الحمائم انقسم إلى أكثر من اتجاه: التيار الثالث؛ الحكماء ومعهم جيل من الشباب النوعي، والجمعية المرخصة بقيادة عبدالمجيد الذنيبات، وقبلهما مبادرة “زمزم” لرحيل غرايبة ونبيل الكوفحي، التي توافقت مع الذنيبات على تأسيس الجمعية المرخصة، لكن من الواضح أنّ هناك فروقاً وخلافات بين الطرفين، دفعت بأعضاء “زمزم” إلى التركيز على العمل من خلال مبادرتهم، لا من خلال الجمعية الجديدة.
المفارقة الثالثة أنّ الجميع في العالم، وفي مصر والأردن واليمن خصوصاً، يتحدثون عن أزمة الإخوان، باستثناء القيادة الحالية، التي تصرّ أنّه لا وجود للأزمة، وتؤكّد أنّ الانتخابات الديمقراطية الداخلية هي التي جاءت بها. وهذا من زاوية شكلية صحيح، إذا كانت القضية تتمثل بمن يملك صوتاً أو أصواتاً إضافية، لكن هذه القراءة بحدّ ذاتها تكشف حجم الضحالة لدى تيار عريض في الجماعة في فهم الديمقراطية ومضمونها وآلياتها، وبما يفسر لنا ما حدث في مصر من أخطاء تمثلت في الاستقواء بالأغلبيات على حساب التفكير في الجوامع والتوافقات!
بل يمكن أن نضيف إلى حجج القيادة الحالية أمراً آخر، يتمثّل في أنّ القاعدة الصلبة العريضة الجماهيرية من الجماعة ستبقى مع الحركة الأم، ولن تأخذ التيارات والمبادرات الجديدة كثيراً من حجم الشعبية المتوقع للجماعة، لأسباب عديدة.
لكنّ هذه الانشطارات والخلافات، وتحديداً الأخيرة المرتبطة برموز الجماعة وإصلاحييها، ستأخذ ما هو أهم من ذلك؛ أي من رصيد الجماعة الرمزي، ومن قوتها الثقافية والأيديولوجية والمعنوية، وهذا برأيي في اللحظة التاريخية الراهنة أهم بكثير من القوة التصويتية والانتخابات المقبلة وأسماء المرشحين. وهي العوامل التي قد تكون لعبت دوراً كبيراً في عودة قيادة الجماعة إلى موقف التعنت ورفض مبادرة “الحدّ الأدنى” من التوافقات التي طرحها تيار “الإنقاذ”، إذا قررت الجماعة المشاركة في الانتخابات المقبلة، وهو السيناريو المتوقع.
هل يمكن إنقاذ “الإخوان”، أم فات القطار؟ في ظنّي أن تعنت القيادة الحالية وحالة الإنكار التي تعيش فيها، وغلبة منطق الصراعات الشخصية والمناكفات على فكرة المراجعات والتجديد وإعادة النظر في مسار الجماعة ومشروعها، كل ذلك يجعل من فكرة إنقاذ الجماعة نفسها مسألة صعبة؛ فحتى لو بقيت هيكلياً كبيرة وشعبياً تتمتع بقاعدة لأسباب مؤقتة، إلاّ أنّ المشروع الذي تحمله تآكل وذبلت جاذبيته، وقدرتها على تقديم نفسها بوصفها منصّة تجديد ديني وإصلاح سياسي ووعاء شبابي، ستكون محدودة للغاية.
أما الطرف الآخر، أي تيار الإنقاذ، فالشرط الأهم له في المرحلة المقبلة، هو حماية الاستقلالية، وعدم الوقوع في الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها المبادرات السابقة المعروفة، التي حاولت “الدولة” مساعدتها فضربت على شرعيتها ومصداقيتها. فالتفكير في الإطار الجديد والخطوات الأولى النوعية، يمثل عاملاً من عوامل النجاح أو الإخفاق.