واجه القائمون على مبادرة “زمزم”، ومن بعدهم المجموعة التي تقدمت بطلب تصويب الوضع القانوني لجماعة الإخوان المسلمين، اتهامات لا تحصى ولا تعد من قيادة الجماعة، ليس أقلها القول إنها تأتمر بتوجيهات من الأجهزة الرسمية، وتعمل بتعليمات رسمية لشق صفوف الجماعة.
الآن، ماذا ستقول قيادة الإخوان عن مجموعة الحكماء في القيادة، التي أعلنت أول من أمس نيتها إطلاق تيار جديد داخل الجماعة، قد يتحول في وقت قريب إلى حزب سياسي؟ هل يمكن اتهام شخصيات مثل حمزة منصور وسالم الفلاحات وعبدالحميد القضاة وغيرهم، بتهم العمالة الجاهزة، والتبعية للأجهزة الأمنية؟
صف من القيادات التاريخية في الجماعة وقفت ضد “حركة عبدالمجيد الذنيبات”، وظلت على مسافة من مبادرة “زمزم”، وحاولت جاهدة العمل من الداخل لإصلاح أوضاع الجماعة وإنقاذها من أزمتها. لكنها قوبلت بإنكار القيادة لوجود الأزمة أصلا، فانتهت جهودها الإصلاحية إلى “طريق مسدود” كما قالوا في بيانهم الأخير.
سأجازف بالقول إن تيارا جديدا سيبرز داخل الجماعة في وقت ليس قريبا. إصرار القيادة الحالية ومن حولها من أنصار الخط المتشدد، على نفس المقاربات التي فاتها القطار، والتمترس خلف مواقف راديكالية لا ترى الواقع ولا تعترف بالمتغيرات، سيدفع بالمزيد من الإخوان إلى التململ والخروج من عباءة الجماعة، مثلما فعل أقرانهم من قبل.
عندما تخفق حركة سياسية في امتلاك اللحظة التاريخية، وتعجز عن اتخاذ خطوات شجاعة لمراجعة نهجها بإرادتها الذاتية، فإنها سترغم على فعل ذلك بطرق أخرى، أو تذهب في عزلتها.
قيادة جماعة الإخوان المسلمين رفضت الاستجابة لدعوات الإصلاح الداخلي. ولهذا، سنشهد ولادة حركات وأجنحة داخلها، في تعبير قد يبدو فوضويا في بعض الأحيان، عن رفض المنضوين في صفوفها للوضع القائم.
إن ما يحصل لحركة الإخوان المسلمين حاليا، ناجم عن حالة الجمود الفكري والسياسي الذي يحكم مسيرتها، خاصة في العقد الأخير. لقد ناورت الجماعة طويلا كي لا تستجيب لشروط التغيير، فيما العالم من حولها ينقلب رأسا على عقب. وقررت على نحو غريب، الانتقال من موقع المشاركة الوطنية إلى منطق الغلبة والاستحواذ، وكأنها تأسست بالأمس القريب، وليس قبل 70 سنة.
لا نعرف مصير “الحكماء” في المستقبل، ولا ردة الفعل من طرف الجماعة على خيارهم. هل يلتقون جميعا في منتصف الطريق؟ وهل هناك فرصة لاجتماع “الإنقاذ” مع الجماعة المرخصة ومبادرة “زمزم”، وتشكيل تيار عريض في مواجهة القيادة الحالية وأنصارها؟
التوقعات بهذا الشأن كثيرة. لكن المؤكد أن الجماعة التي عرفناها لعقود طويلة انتهت عمليا، بالخروج الأخير لتيار الإنقاذ.
لكن أيا تكن الاحتمالات والمسارات، فإن أمام تيارات الحركة وقادتها من مختلف الألوان، ثلاث مسائل أساسية لا بد من حسمها، للتحول إلى حركة سياسية في المشهد الوطني: الأولى، فك الارتباط مع الخارج نهائيا، والتحول بشكل فعلي وملموس إلى حركة وطنية أردنية تلتزم بدستور المملكة وثوابته. والثانية، اتخاذ موقف جذري وصريح وعلني من الجماعات الإرهابية؛ موقف لا لبس فيه ولا غموض كما هو حاليا. والثالثة، الالتزام الحقيقي باحترام التعددية وقواعد اللعبة الديمقراطية وقبول الآخر.
هل يملك الإصلاحيون من أبناء الجماعة مشروعا يراعي هذه المسائل، أم سيتمسكون بنفس المقاربات القديمة؟ إذا لم يكن عندهم جديد ليقولوه، فلا مبرر لكل هذا العناء.