عروبة الإخباري- أثارت وجبات الإحالات على التقاعد الاخيرة، والتعيينات الجديدة، بين عدد من موظفي الفئات العليا في الجهاز الحكومي والقطاع العام، جدلا ولغطا واسعا، تخللتها اتهامات للحكومة “بعدم الشفافية والمحاباة”، خاصة أن بعض التعيينات جاء دون الاعتماد على الية اللجنة العليا في اختيار اصحاب هذه المناصب.
ورغم ان نوابا ومهمتين انتقدوا تعيين بعض المسؤولين في وظائف عليا دون الرجوع الى الية اللجنة العليا، الا ان مسؤولا حكوميا، قال لـ”الغد”، انه يوجد في نظام اللجنة العليا لانتقاء موظفي الفئات العليا “نص يبين وجود استثناءات في التعيينات دون اللجوء للجنة، وان هناك مناصب حساسة لا تحتمل تأخيرا في التعيين”.
وكان مجلس الوزراء أقر نهاية 2012 آلية ناظمة لعملية الاختيار والتعيين والترفيع إلى الوظائف القيادية العليا، لتشكل مرجعية تحكم عملية التعيين في المناصب العليا.
وكان مجلس الوزراء قرر في جلسته، التي عقدها في 15 الشهر الحالي، برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور تعيين محمد العلاف، رئيسا لهيئة مكافحة الفساد، والدكتور وضاح الحمود، مديرا عاما لدائرة الجمارك، والدكتور بشار صابر رشيد ناصر، مديرا عاما لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات، واياد القضاة عضوا في هيئة مكافحة الفساد.
وطال بعض هذه القرارات انتقادات لعدم اعتماد الية تنسيب اللجنة الحكومية العليا بملء هذه الوظائف.
رئيس الوزراء عبد الله النسور، اضطر ان يخرج عن صمته في هذه القضية، عندما أثار نواب، في جلستهم صباح أمس، هذه القضية وتساءلوا حول بعض التعيينات العليا. وأكد النسور “ان تعيين مدير الجمارك وضاح الحمود لا يرتبط بحسابات القرابة والعلاقة، وان الحكومة اضطرت إلى تعيين الحمود نظرا لحاجة دائرة الجمارك لذلك للسير بأعمالها”.
كما دافع النسور عن قرار مجلس الوزراء بنقل رئيس ديوان المحاسبة مصطفى البراري الى ديوان المظالم قبل أسابيع.
وزير تطوير القطاع العام السابق سالم الخزاعلة أشارت إلى أن لجنة تعيين الفئات العليا شكلت العام 2012 لغايات تحقيق الشفافية والعدالة وإتاحة الفرصة لأصحاب القدرات لغاية المنافسة. لأنه يرى ان “بعض الوظائف العليا يحكم طبيعتها تخصص معين ونوعية معينة من الاشخاص لتحقيق سياسات معينة في مرحلة ما”، ولذلك تقتضي المصلحة العامة اختيار بعض الاشخاص لتحقيق هذه السياسات من حيث المبدأ، ولكن تطبيق هذا المبدأ غير دقيق في بعض الأحيان “بسبب اختراق من بعض المسؤولين ولأسباب غير مهمة وغير واضحة ولا يتم الإفصاح عنها”.
وقال الخزاعلة لـ”الغد”، انه عند الاعلان عن تشكيل اللجنة العليا قيل حينها انه سيتم الالتزام بها بشكل صارم، “لكن أحدا لم يقل أنه سيلتزم بها قدر الإمكان، وان هناك بعض المواقع سيتم مراعاة العناصر الاخرى واختيار اشخاص بما يلائم المرحلة والسياسات”.
وبين ان التعيينات الحالية تتم على “مبدأ الولاية العامة وحق مجلس الوزراء في الاختيار، بشكل مباشر دون الرجوع للجنة، أو الإفصاح عن اسباب الاختيار”، مع الاشارة إلى انه حتى “عملية الاختيار من خلال اللجنة العليا تدور حولها شكوك كثيرة خصوصا في موضوع تلقي توجيهات وتعيين بعض الاشخاص لأسباب غير معروفة او غير معلنة” على حد قوله.
واقترح الخزاعلة لغاية تحقيق الاستقرار الوظيفي، أن يتم تعيين موظفي الفئات العليا “بعقود لا تقل مدتها عن ثلاثة أعوام ولا تزيد على خمسة، على أن تكون قابلة للتجديد مرة واحدة”.
وأوضح أن من شأن ذلك أنه “لا يمكن تغيير الموظف خلال فترة العقد إلا في حالات استثنائية يجب أن تحدد مسبقا، كالفساد وارتكاب الجنح المخلة بالشرف وما شاكلها، وعند ذلك يعرف الموظف، وغيره، الساعة التي سيغادر موقعه فيها من دون أن تطاله الألسن ومن دون أن تطال الحكومة سهام الانتقاد”.
إلا ان وزير تطوير القطاع العام السابق ماهر المدادحة، اكد انه “يجب اعادة النظر في التعيينات في الدولة بشكل عام من خلال نظام الخدمة المدنية”، بحيث يكون هناك آلية واضحة للتعيين سواء بالوظائف العادية او العليا. ورأى ان الوظائف العادية يجب ان تستند إلى مفهوم الحاجة الفعلية للوظيفة المتقدم عليها مع كفاءة ومتطلبات وخبرات المتقدم للوظيفة، وأن يتم التعيين بآلية تنسجم مع شفافية وعدالة الفرص للمتقدمين.
اما الفئات العليا، وفقا للمدادحة، فيجب ان تكون هناك قائمة مختصرة من الاسماء ممن تتوفر فيهم الكفاءة والدرجة العلمية والخبرة، ووضوح الرؤية والاستراتيجية، لتطوير الوظيفة التي سيشغلها، وأن تكون عملية الاختيار من اللجنة بمشاركة جهات إشرافية ورقابية مثل ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد.
من جانبه، أوضح رئيس ديوان المظالم السابق الدكتور علاء العرموطي ان “أسس تشكيل اللجنة منذ البداية غير واضحة ولا تنسجم مع طبيعة هذه الوظائف”، خاصة انه يوجد مسابقة ولكن يمكن ان تنسجم بطريقة واحدة، وهي ان تكون مبنية على أسس واضحة وشفافية كاملة.
وأوضح العرموطي لـ”الغد” أن “نصف اسس ونصف شفافية” سيؤدي إلى نتيجة معكوسة بشكل قاطع وستتداخل الأهواء والمحسوبيات بشكل كبير في التعيينات، وستجهض الأساس الذي قامت عليه فكرة تأسيس اللجنة، معتقدا أن “الصعوبات العملية التي تواجه اللجنة أدت إلى التغاضي عن اللجوء اليها عند التعيينات الأخيرة”.
فيما اعتبر وزير سابق، رفض نشر اسمه، لـ”الغد” أن اللجنة المذكورة “غابت أو غيبت، في بعض الفترات من قبل الحكومات اللاحقة، لتعود، ولكن من دون فاعلية حتى الآن، في عهد الحكومة الحالية”.
وأعرب هذا الوزير عن اعتقاده بأن اللجنة “قد تسهم، إلى حد ما في تحقيق العدالة” من خلال إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المؤهلين للمنافسة على الوظيفة ذاتها، موضحا أنه على الرغم من أن اللجنة ليست معصومة عن الخطأ فإنها تعمل على استثناء غير المؤهلين لشغل الوظائف العليا.
وأشار الى ان من مهام هذه اللجنة دراسة السير الذاتية للمرشحين ومقابلتهم، والتأكد من خبراتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم الشخصية، لكن ذلك “لا يعني مطلقاً أن من تم تعيينهم مؤخراً لم يكونوا أهلاً لمناصبهم”.
ودعا هذا المسؤول إلى مأسسة تشكيل هذه اللجنة لتصبح دائمة بغض النظر عن الحكومات، بحيث يتم تشكيلها برئاسة وزير تطوير القطاع العام وعضوية الوزير المعني، ووزير العدل، ورؤساء هيئة مكافحة الفساد، وديوان المحاسبة، وديوان الخدمة المدنية، مقترحا تحديد مهامها وآلية عملها من خلال مدونة سلوك تنشر على الملأ.
وكان مجلس الوزراء أقر نهاية 2012 آلية ناظمة لعملية الاختيار والتعيين والترفيع إلى الوظائف القيادية العليا، لتشكل مرجعية تحكم عملية التعيين في المناصب العليا.
وبين وزير تطوير القطاع العام الدكتور خليف الخوالدة حينها أن تطوير هذه الآلية يشكل الحلقة الأولى في المنظومة المتكاملة لضوابط العمل العام، التي تستهدف رفع مستوى الأداء الحكومي وترشيد الإنفاق العام.
وتُشكل اللجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء وعضوية وزراء العدل وتطوير القطاع العام والدولة لشؤون رئاسة الوزراء، والمرجع المختص بالتنسيب بالتعيين على الوظيفة الشاغرة لمجلس الوزراء ورئيس ديوان الخدمة وأمين عام رئاسة الوزراء.
وأوضح الخوالدة أن اللجنة تحدد ترتيب المرشحين حسب متوسط نتائج التقييم، بعد استبعاد أعلى وأدنى تقييم أعطيا لكل مرشح من باب الحرص على المزيد من الموضوعية، وترسل النتائج للمرجع المختص ليقوم بدوره انسجاماً مع التشريعات المعمول بها بالتنسيب لمجلس الوزراء، بتعيين المرشح الحاصل على أعلى نتيجة في تقييم اللجنة.
ونوّه إلى أن أحكام هذه الآلية تسري على المتقدمين بطلبات لشغل الوظائف الشاغرة من وظائف الفئة العليا/ المجموعة الثانية، وما في حكمها (الأمناء العامين، المديرين العامين، المفوضين، …)، وأي وظائف أخرى يقرر مجلس الوزراء شمولها.