أقدم العديد من الدول المانحة منذ منتصف العام الجاري 2015 على تقديم الدعم المالي لوكالة الأونروا بعد أن كان الاختناق المالي في ميزانيتها قد وصل لحدودٍ كبيرة، دَفَعَت المفوض العام للوكالة بيير كريهن بول لدق ناقوس الخطر، والإعلان عن إمكانية تأجيل العام الدراسي في مناطق عمليات الوكالة الخمس (سوريا + لبنان + الأردن + الضفة الغربية + قطاع غزة). وفي حينها قام المفوض العام للأونروا بزيارة بروكسل لعقد مجموعة من اللقاءات عالية المستوى تهدف إلى لفت الانتباه إلى الدور والأنشطة الحاسمين اللذين تقوم بهما وكالة الأونروا وإلى قرع جرس الإنذار حيال المستوى الدراماتيكي لنقص التمويل الذي تعاني الوكالة منه، علاوة على قيامه بالافتتاح الرسمي لمعرض الأونروا “أنا لست رقمًا إحصائيًّا” والذي استمر عقده في البرلمان الأوروبي حتى الثالث من يوليو/تموز 2015.
جاء الدعم المالي لميزانية الوكالة من عدة أطراف دولية كان منها الولايات المتحدة واليابان ودول الغرب الأوروبي ودول الخليج العربية، بعد أن تواتر الحديث عن الأزمات الخانقة التي باتت تعترض طريق عمل وكالة الأونروا لجهة الجفاف المتواصل في مواردها المالية، بينما اعتبر البعض بأن الأزمة المالية لوكالة الأونروا ليست سوى مجرد أزمة مفتعلة تخفي وراءها أزمة سياسية كبرى في ظل المساعي الهادفة لإنهاء عمل الوكالة وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين ككل.
إن القلق الذي يعتري اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عمليات الوكالة ينطلق من الشعور بالخطوات الملموسة والمحسوسة التي بدأت تتضح معالمها على الأرض عبر المساعي الخفية التي تقوم بها أطراف دولية نافذة للتخلص من الشاهد الأساسي الأول على قضية حق العودة واللاجئين الفلسطينيين وهي وكالة الأونروا، وذلك عبر تخفيض خدماتها وتجفيف مصادرها المالية، والسعي لشطب قيود من هاجر من فلسطينيي سوريا إلى بلاد الله الواسعة من سجلاتها الرسمية، وإنهاء صفة اللاجئ على من وصل من فلسطينيي سوريا إلى بلدان الهجرة القسرية في عموم بلدان القارة الأوروبية، واستراليا، وغيرها من بلدان المعمورة باتجاهاتها الأربعة. وقد وصلت أعدادهم نحو (150) ألف لاجئ فلسطيني من سوريا، من مُختلف الفئات العمرية مع طغيان جيل الشباب، دفعتهم الأزمة العامة في سوريا للخروج من البلاد تحت وطأة جسامة الأحداث وفقدان السكن والمورد الاقتصادي.
الإجراء المُشار إليه أعلاه، يأتي في سياق قرار الدول المانحة لوكالة الأونروا التي باتت تتحفظ الآن عن تقديم وتسليم المساعدات المالية والعينية للاجئين الفلسطينيين في سوريا إلا بوجود كامل أفراد العائلة مع البطاقات الشخصية وبطاقة الأونروا، وبالاسم، وبالتدقيق فردًا فردًا، تمهيدًا لشطب أسماء الغائبين والمهاجرين منهم من قيودها وحرمانهم من المساعدة المالية والعينية، وهو تحوّل خطير للغاية حال بدأت مفاعيله تُطبّق على أرض الواقع، ليعكس في حقيقته الهدف الرئيسي منه بشطب صفة اللاجئ عن الفلسطينيين الذين غادروا سوريا إلى بلاد العالم نتيجة الأزمة الداخلية، وقد أَبلَغَ المدير العام الإقليمي للوكالة في سوريا (مايكل كينزلي) لقاءً فلسطينيًّا (رسميًّا وشعبيًّا) عُقِدَ لمناقشة هذا الأمر بدمشق مؤخرًا فحوى هذا الإجراء الذي طالبت بتنفيذه الدول المانحة ورئاسة وكالة الأونروا.
وفي هذا السياق، لا ننفي، بل نشير إلى الدور الإيجابي وإلى حجم المساعدات التي قُدمت من قبل الوكالة للاجئين الفلسطينيين في سوريا في ظل المحنة التي يتعرضون لها، بما في ذلك الإدخال المستمر حتى الآن للمواد الغذائية والتموينية إلى مخيم اليرموك، وتقديم الإعانات لمن هم خارج اليرموك ومناطق التهجير الجديدة التي أقاموا بها داخل سوريا وعلى وجه التحديد في مناطق دمشق وريفها.
ولكن، إن الإجراء الذي بدأت به الوكالة عمليًّا وعلى أرض الواقع، بشأن تسليم المساعدات المالية والعينية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ترافق مع تصريحات المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) ببير كريهنبول المعروف عنه بتعاطفه مع القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وذلك خلال الاجتماع الأخير للجنة الاستشارية لوكالة الأونروا والذي يضم كبار الجهات المانحة والحكومات المضيفة والذي عُقِدَ في العاصمة الأردنية عمَّان حين قال “إن أكثر من خمسة ملايين لاجئ من فلسطين يواجهون اليوم أزمة وجودية على صعيد العديد من الجبهات تتمثل في الحرمان من الكرامة والحقوق واللتين ينبغي أن تتم معالجتهما”. مُضيفًا “إن الأزمة المالية التي تواجهها وكالة الأونروا في ميزانيتها حاليًّا ستكون بمثابة كارثة حقيقية تَحِل على اللاجئين الفلسطينيين، خاصة القاطنين في قطاع غزة وسوريا، فمُعدل تمويل مناشدة الأونروا الطارئة من أجل فلسطينيي سوريا لعام 2015 ما نسبته 27% فقط. ونتيجة لذلك، فقد توجب علينا أن نقلص من وتيرة ومبلغ المعونة النقدية التي يتم توزيعها على اللاجئين في سوريا في حالات التعرض الشديد للمخاطر”.
كذلك، إن الخطير في الأمر أن وكالة الأونروا غيّرت من سياستها تجاه قضية تقليص الخدمات المقدّمة للاجئين الفلسطينيين، بعد أن كانت تنتهج سياسة تدريجية تتفاوت زمنيًّا إلى سياسة تقليصات بالجملة وفي فترة زمنية واحدة، حيث صرّح مدير عام الأونروا في لبنان عل سبيل المثال (ماثياس سيكمالي) بأن وكالة اﻷونروا “بصدد إيقاف كامل مساعداتها للاجئين الفلسطينيين من سوريا وحتى تلك التي تشمل بدل الغذاء، وذلك في ظل عدم حصول اﻷونروا على أية مساعدة من الدول المانحة. بالإضافة إلى إجراءات تقشفية أخرى تشمل قطاعي الصحة والتعليم في اﻷونروا”.
لقد تعرضت وكالة الأونروا خلال أكثر من ستة عقود من عملها لأكثر من انتكاسة مالية نتيجة عدم إيفاء الدول المانحة بالتزاماتها، وأدى ذلك إلى تقليص في الخدمات يعاني منه اللاجئ الفلسطيني، سواء على مستوى الاستشفاء أو التعليم أو الإغاثة.. لكن لم تصل يومًا إلى حد التهديد بوقف برنامج من برامجها بشكل نهائي إن لم تغطِّ الدول المانحة العجز المالي، والتعهد باستمرار تقديم الخدمات. ونتحدث هنا عن برنامج التعليم، وكذلك التهديد بوقف البرنامج الصحي هذا ما أعلن عنه صراحة سامي مشعشع الناطق الرسمي باسم الأونروا، بأن الوكالة لديها من الأموال ما يكفي للبرنامج الصحي حتى نهاية العام 2015، أي بمعنى آخر، إن لم يتم توفير الأموال المطلوبة للبرنامج الصحي هو الآخر مهدد بالتوقف.
إن تمويل الأونروا يأتي بشكلٍ كامل تقريبًا من خلال التبرعات الطوعية، ولم تواكب التبرعات المالية للأونروا مستوى الطلب المتزايد على الخدمات والذي تسبب به العدد المتزايد للاجئين المسجلين والفقر المتفاقم وحالات الصراع في مناطق عملياتها. ونتيجة لذلك، فإن الموازنة العامة للوكالة، والتي تعمل على دعم الأنشطة الرئيسية لها إضافة إلى معظم تكاليف العاملين، تعاني من عجزٍ كبير. كما أن برامج الأونروا الطارئة والمشروعات الرئيسية تعاني أيضا من عجزٍ كبير، حيث يتم تمويل هذه البرامج عبر بوابات تمويل منفصلة. وعليه تأتي أهمية المطالبة باعتماد حصة مالية للأونروا من الميزانية العامة للأمم المتحدة وليس انتظار عطف الدول المانحة وتبرعاتها المتقطعة.
أخيرًا، وكالة الأونروا خط أحمر، وليست للبيع, ويجب أن تظل على رأس عملها في خدمة اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم لأرض وطنهم وفق قرار تأسيسها.
علي بدوان/فلسطينيو سوريا: الأونروا خط أحمر
20
المقالة السابقة