عروبة الإخباري – إن السلطنة وهي تحتفل بعيدها الخامس والأربعين المجيد من عمر النهضة المباركة، تجد في البعد الإنساني طريقها لتحقيق الأمن والأمان والرخاء والاستقرار، ومنطلقها في تناول قضايا العالم ورؤيتها في قيادة الدولة وإدارة مواردها، فكان الإنسان محور عملها في الداخل ومسار تعاطيها مع العالم في الخارج، لتصنع من سياساتها المتوازنة أنموذجاً عمليًا في إنسانية النهضة منطلقةً من قناعتها بأن الإنسان أساس التنمية وركيزة العمل وهو المناط به تشييد بصمات إيجابية في مسيرة النماء والتطوير، لذلك وجدت في اختلاف البشر طريقها لفهم المشترك بينهم وتعزيز التوافق في كل ما يؤدي إلى سعادة الإنسان، فلقد استوعبت نهضة عمان هذا الاختلاف ووجهته لصالح بناء الدولة وتأسيس قواعد راسخة في العمل المؤسسي وأتاحت شراكة المواطن في التنمية من خلال تأكيد دور المؤسسات البرلمانية وتفعيل مسؤولياتها بما يضمن لمسيرة البناء الاستدامة والتميز، وأبرزت مبادئها السامية ونظامها الأساسي هذا التمازج بين أبناء عمان في وحدتهم وتعاونهم، وتعميق فرص أكبر للحوار والتواصل والتكامل بين الشعب والقيادة والمواطن والحكومة.
ولقد كان لهذه النُهُج التي اتخذتها الدولة انعكاساتها على المواقف العمانية من الأحداث الحاصلة في العالم والتعاطي مع قضاياه بروح متفائلة متفاعلة هدفها الاحترام والتقدير، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وحق الشعوب في تقرير المصير، ومد جسور التواصل والحوار وتعزيز منطق السلام والوئام والتعايش مع الاختلاف، فهي مداخل للتغيير وعلاج التحديات والتعامل مع الأحداث الدولية وفق مبادئ الحق والعدل والمساواة والحرية والمحافظة على الخصوصية والهوية وإبراز منهج الوسطية والتسامح وتعزيز المشترك بين الشعوب، لذلك كان لهذه السياسة المرنة المتفاعلة مع الإنسان والمتقاربة مع ضمير الوعي، أثرها في تعميق الشراكات النوعية التي تحققت لعمان مع دول العالم المختلفة فأصبحت سياسة الاحتواء والتأثير التي انتهجتها في إطار استيعاب هذا الاختلاف فرصة في صناعة مواقف إيجابية مشهودة في تعزيز السلام بين الدول وتحجيم حالة اللااستقرار التي تشهدها الساحة الدولية وتأثير الفكر السلبي والجماعات المتشددة على منظومة أمن الإنسان.
لقد كان لمواقف السلطنة المؤكدة للتسامح والحوار والتواصل وما قدمته من مناخات إيجابية لنمو ثقافة إنسانية راقية هدفها تقبل الاختلاف والتعايش في ظل اختلاف فرصة لنقل محور التغيير في موازين التعاطي مع منظومة الأمن العالمي وتحويلها لصالح الإنسان والتنمية وتقدير قيمة الاختلاف فكان الاتفاق النووي الإيراني الطريق لفتح صفحة الشراكة والتكامل، كما أن رؤيتها لحل الأزمة السورية واليمنية وغيرها؛ إنما هو تأكيد على سعيها نحو نشر مظلة التعاون والاستقرار ومنح الإنسانية فرصا أكبر للاستماع بخيراتها والاستفادة من مواردها وإمكانياتها وتعميق مبادئ الأخوة الإنسانية وتوليد مناخات من العمل المشترك الذي يؤمن بكرامة الإنسان وحقه في أن يعيش سعيدًا مطمئنًا في وطنه وبين أهله.
من هنا سعت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم -أعزه الله- إلى توجيه هذا الاختلاف لتحقيق التكامل بين دول العالم وتعزيز التقارب بينها في ظل علاقات الإخاء وتوظيف السياسة الدولية لخدمة التنمية، ومنحها فرصًا أكبر لحل قضاياها والتعامل مع التحديات الفكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والمياه والطاقة وغيرها، بحيث يؤدي هذا الاختلاف في تناول هذه القضايا (كعامل مشترك بين دول العالم) إلى تعدد البدائل ومنح فرص أكبر للتكامل في مواجهة أولويات العمل وتحدياته بتكاتف الجهود وتواصل التجارب وتعميق دور البحث العلمي وتمكين المنظمات الدولية من القيام بدور أكبر في تعزيز التقارب الثقافي والحضاري وفتح مناخات الشراكة في وحدة الصف وتنوع الخطط والبرامج.
لقد نأت السلطنة بدورها عن وضع الخلاف في قالب العداء فإن الخلاف في الرأي والمواقف لا يفسد للود قضية، وأكدت في كثير من المحافل واللقاءات الدولية أن على قيادات العالم اليوم البحث عن كل الطرق والوسائل التي تعزز بين شعوبها جوانب التكامل وروح المحبة وتصنع من مواقفها الإيجابية نموذجا مشهودًا في العمل من أجل الإنسان. وأن التغريد خارج السرب كما يسميه البعض تأكيد على منهج الثبات في المواقف والحكمة في إدارتها وتعبير عن الخصوصية العمانية في حياديتها وإيجابيتها وصدق منهجيتها ورسوخ مكانتها التي تنظر للأمور في إطار المشترك الإنساني العالمي بعيدا عن الذاتية، فعمان وطن يستوعب بمنهجيته الاختلاف الإنساني؛ لأنه ينظر إليه في إطار التكاملية، ويتسامى فوق الخلاف إذ تجد فيه استمرارًا لنهج الثبات في المبادئ والأخلاقيات والقيم لتعميق فرص البحث عن مداخل للحل وبدائل للمعالجة والاستمرار في مهمة العمل من أجل السلام.