كان يجب أن يعرف الأزهر الشريف، وهو المرجع الديني الإسلامي الأول في العالم، أن واجبه يتعدّى ما يقوم به على أهميته. كما يجب أن يتجاوز ردود الفعل على إرهاب يقوم به إسلاميون متشدّدون جداً. فالإسلام دين الوسط والمحبة والتسامح والرحمة.
وقادة “الأزهر” وتلاميذه يؤمنون بذلك. لكن الوضع الآن صار يتطلّب أكثر. فإسلامهم وهو إسلام العالم المسلم بغالبيته، يتعرّض إلى غزو إسلام التطرّف والتكفير والعنف. ولا يمكن وقف الغزو بالحرب العسكرية لاستحالتها، وإنما بحرب العقول والدراسات والفتاوى والشرح والتفسير والاجتهاد. وهم يقومون بشيء من ذلك لكنه غير كافٍ، إذ أحياناً يجدون أنفسهم مُحرجين لاعتبارات عدة. لذلك لا بد من “ثورة ثقافية” داخل الإسلام يقوم بها أهل السنّة، تعيده إلى قلب الحضارة المعاصرة أو تعيد حضارته العظيمة التي أجهضها المسلمون أنفسهم على مرّ القرون. ولا تعني الثورة مسّاً بكلام الله ولا بسنّة رسوله، بل مراجعة كل ما دونهما بعقل مؤمن ومنفتح. ويجب أن تعرف مصر الدولة كل هذه الأمور، وأن تدفع “الأزهر الشريف” إلى سلوك الطريق المشار إليها. ولذلك سببان: الأول أن مصر هي أكبر الدول العربية سكاناً وكانت أقواها عسكرياً وستعود كذلك، وكانت قائدة للعالم العربي ومؤثرة في العالم الإسلامي.
وهذه الصفات تدفعها في اتجاه التحديث. أما الثاني فهو معرفة العالم الإسلامي بل اقتناعه بأن لمصر الدولة “دالة” على “الأزهر الشريف” وبأنه يعتمد عليها كما تعتمد عليه.
وكان يجب أن تعرف تركيا “حزب العدالة والتنمية” ضرورة عدم اتخاذ مواقف من قضايا إقليمية مثل الثورة السورية، إذا لم تكن قادرة على ترجمتها عملياً. فبسلبيتها المطلقة تجاه الرئيس الأسد ونظامه ودعمها “اللامحدود” للثائرين عليه ورّطت هؤلاء، فذهبوا إلى الآخر، ولحقهم الأسد إلى الآخر، فصارت الثورة والحرب مذهبية، وسيطر الاسلاميون المتطرّفون عليها. ولم تستطع تركيا مساعدتهم. حاولت التعويض عليهم حفاظاً على ماء وجهها بفتح أبوابها أمام الراغبين في قتاله وأمام عبورهم إلى سوريا بعد تدريبهم، كما أمام عبور السلاح والمعونات المالية. ونسيت أن هذا الأمر قد ينقلب عليها. وها هي اليوم تواجه حرب “داعش” عليها. وبدلاً من أن تضع سياسة أخرى بالتعاون مع الدول العربية التي تشاركها المواقف نفسها من الأسد، حوَّلت نفسها أرض عبور لمئات آلاف النازحين إلى أوروبا. فهل كانت بذلك تعاقب أوروبا لرفضها إدخالها الاتحاد الأوروبي؟ أم كانت تحاول التخفيف من عبء هؤلاء؟ أم كانت، كما يظنّ البعض “تنشر” الإسلام في أوروبا في محاولة لإحياء الخلافة الإسلامية معنوياً (العثمانية) التي انتهت بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى؟ علماً، أن العمليات الإرهابية التي نفَّذها “داعش” في باريس ليل الجمعة – السبت الماضي، لا يعتقد المطّلعون أنها نتيجة طبيعية لسير الأحداث في سوريا أخيراً جرّاء التدخّل الروسي العسكري المباشر في حربها. أي لا يعتقدون أنها ردٌّ على خسارات لـ”داعش” وتنظيمات أخرى. إذ أن عمليات كهذه تحتاج إلى وقت طويل للتخطيط ولتأمين مستلزماتها اللوجستية. كما أنهم لا يعتقدون أن النجاحات الأخيرة للأسد وروسيا نهائية. فالحرب كرٌّ وفرّ، ولا يزال مبكراً ومستبعداً التأكيد انهما سيربحان.
وبدلاً من التعاون التام مع أميركا في المسألة الكردية فإنها تتصرف انطلاقاً من كونها مقرِّرة في هذا الملف. علماً أنها على رغم قوتها وعضويتها في “شمال الأطلسي” ليست كذلك.
وكان يجب أن تعرف دولة قطر أن ثروتها الكبيرة المالية والطبيعية، والحماية الدولية لها بحكم وجود قاعدة عسكرية أميركية مهمة على أرضها، لا تمكِّنانها من النجاح في لعب دور إقليمي واسع، ناءت ولا تزال تنوء به دول إقليمية أقوى منها وأكبر حجماً، ودول كبرى في الوقت نفسه. علماً أنه كان يمكن تعويض صغر الحجم الجغرافي بسياسة رشيدة، وبخطَّة استراتيجية تركز على العمل الجماعي وليس على الانفراد بمكاسب نظراً إلى صعوبة ذلك.
وكان يجب أن تعرف دولة الإمارات العربية المتحدة أن وقوفها بحزم وصلابة مع الشقيقة الخليجية الأكبر السعودية في حرب اليمن كما في موقفها السوري ضروري. لكن الضروري أيضاً أن تكون لديها الرؤية والحكمة لتأمين النجاح لهما معاً. هاتان الصفتان الأخيرتان جعلتا الإمارات دولة من العالم الأول اقتصادياً وعمرانياً وحداثة، فهل تغيبان عن السياسة الاقليمية فيها؟
ماذا كان يجب أن تعرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا ولبنان بشعوبه؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb