أقرت موسكو رسميا، أمس، أن طائرتها سقطت بفعل عمل إرهابي مدبر؛ قنبلة يدوية تزن كيلوغراما واحدا من المتفجرات دسها شخص مجهول بين حقائب المسافرين بمطار شرم الشيخ، فانفجرت الطائرة فوق صحراء سيناء.
مصر في موقف محرج للغاية؛ العملية الإرهابية تشير إلى خلل أمني فاضح في إجراءات التفتيش بمطاراتها، سمح بوصول القنبلة إلى قلب الطائرة، ومؤشر على قدرة الجماعات الإرهابية على اختراق أكثر المواقع تحصينا.
الآن اكتملت الصورة؛ تنظيم “داعش” الإرهابي نفذ ثلاث عمليات نوعية في ثلاث دول، أوقعت خسائر فادحة، دشن بها عهدا جديدا من عهود الإرهاب الدولي.
عمليا، التنظيم بات معولما ويعمل في كل الساحات، لا بل يكاد يختصر نشاطاته في سورية والعراق على ما حقق من مكتسبات، وينتقل إلى ساحة عالمية أوسع ليصفي حساباته مع الجميع.
روسيا متواجدة بجيشها على الأرض السورية، لنصرة النظام السوري أولا. لكنها اليوم، وبعد عملية الطائرة، أصبحت في معركة مباشرة مع “داعش”، وليس أمامها من خيار سوى الرد الموجع.
فرنسا -مكره أخاك لا بطل- في نفس الخندق بعد هجمات باريس المروعة. الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند تبنى في خطابه أمام الجمعية الوطنية الفرنسية مقاربة جديدة حيال سورية؛ الأسد ليس شريكا، لكنه ليس العدو، “داعش” هو عدو فرنسا الأول، وهي في حالة حرب مفتوحة معه. ولمقتضيات النصر في الحرب، لا بد من مد اليد لروسيا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتأخر في اقتناص فرنسا التي كانت حتى الأمس القريب أكثر الأوروبيين تشددا في الموقف من النظام السوري والتدخل العسكري الروسي.
الشريك الأميركي لا يعبأ بهذه التطورات؛ فهو قبل فرنسا سعى إلى تنسيق الجهود مع روسيا، وسلم بأولوية مكافحة الإرهاب على إسقاط النظام في سورية. محادثات فيينا طوت عمليا هذا الشعار، ورحيل الأسد صار مقرونا بالحل السياسي للأزمة، وليس بأي خيار آخر.
مسرح العمليات في طور التبدل الجذري؛ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة يذوب تدريجيا لمصلحة التحالف الروسي، وغرف العمليات في بعض دول المنطقة صارت ترطن باللغة الروسية.
العالم كله بات اليوم في مواجهة مفتوحة مع “داعش” وفروعه المنتشرة في كل القارات. أوروبا تحت التهديد يوميا، وعواصمها في حالة تأهب. لم يعد السؤال عن مستوى الخطر مطروحا؛ السؤال هو: أين ومتى سيضرب الإرهابيون؟
الشرق الأوسط في قلب المعركة. فبعد تفجيرات بيروت وعملية شرم الشيخ بحق الطائرة الروسية، لم يعد طرف في مأمن من الإرهاب.
يمكننا طرح ألف سؤال عن الظروف التي أوصلتنا إلى هذه النقطة الحرجة؛ ما تعلق منها بموقف الولايات المتحدة والدول الغربية من الأزمة السورية، أو دور دول الإقليم في إدارة الصراع بطريقة كارثية جعلت من سورية ميدانا عالميا للجماعات الإرهابية، وتلك التي تخص دور النظام السوري، و”نبوءة” أركانه المبكرة بأن الإرهاب سيطاول حدود أوروبا في حال تدخلت لإسقاط بشار الأسد.
البحث عن إجابات شافية اليوم، مضيعة للوقت. ليس مهما أن نعرف من خلق “داعش” بعد أن تحول إلى وحش عالمي لاحاجة له لأب أو أم. المهم أن يجتمع العالم كله للقضاء على هذا الوحش.