بالرغم من محاولة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الاستثمار في تفجيرات باريس؛ بربط الإرهاب الذي حدث، بما يحدث في سورية، والإصرار على الزجّ بنفسه في معسكر “محاربة الإرهاب”، إلاّ أنّ الموقف الفرنسي ما يزال متماسكاً سياسياً. وهو ما كشفته تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بأنّ الأسد “لا يشكّل مخرجاً”!
المعلومات المتوافرة إلى الآن، كما عرضها رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، تتمثّل في محاولة الوصول إلى “حل وسط” بين موقف الولايات المتحدة الأميركية وتركيا والسعودية من جهة، وروسيا من جهة أخرى؛ أي بين من يصرّ على رحيل الأسد ومن يؤكد على بقائه.
قد يكون الحلّ الوسط، الذي وضعت معالمه المبادرة الروسية الأخيرة، هو الذي كشف عنه وزير الخارجية التركي فريدون أوغلو، بأنّ الأسد سيسلّم صلاحياته كاملة للحكومة السورية الانتقالية الجديدة، التي ستتولى إعداد الدستور وإجراء انتخابات رئاسية بعد 18 شهراً، مؤكّداً أنّ “الأسد لن يشارك فيها”.
كم أحبّ أن أكون متفائلاً بأنّ هناك خيطاً من الأمل لإنهاء معاناة الأشقاء السوريين. لكنّ بالرغم من معالم هذا الاتفاق، إلا أنّ الطريق ما تزال طويلة، وما تزال هناك عقبات كأداء في وجه الوصول إلى تفاهمات سياسية وتطبيقها على الأرض.
من الطرف الأول، أي المعارضة السورية، هناك أسئلة مفصلية كبيرة، تتمثّل في مدى القدرة على التفاهم والاتفاق بين القوى السياسية في الخارج والداخل، أولاً (ما هو دور هيئة التنسيق الوطني؟ وهل سيقبل الائتلاف بدور لها؟ وما هو موقف روسيا؟). والثاني، بشأن العلاقة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري في المعارضة السورية، وأحجام التمثيل، وغير ذلك من قصص معقّدة ومتشابكة.
هذا وذاك بانتظار القائمة التي من المفترض أن يصممها الأردن لتصنيف المعارضة بين المتشددة والمعتدلة. وهو أمر جدلي وإشكالي كبير، بخاصة ما يتعلّق بالمنظمات الإسلامية التي تقع في “المنطقة الرمادية”، مثل “جيش الفتح” و”أحرار الشام”، وكتائب وفصائل أخرى، ما قد يؤثر كثيراً على مدى قبول المعارضة بالتصنيف الدولي أولاً، والتماسك بين فصائلها ثانياً.
على الطرف الآخر، فإنّ الموقف الإيراني تحديداً، يبدو مهماً للغاية. فبرغم أنّ الروس هم من يتولون اليوم الحديث باسم النظام في الخارج، ويتفاوضون نيابةً عنه، إلاّ أنّ من يخوض المعارك على الأرض ويتحكم بجزء كبير من المعطيات، هو زعيم فيلق القدس، قاسم سليماني، والقوى التي تدور في فلكه، مثل حزب الله وفيلق القدس- الحرس الثوري الإيراني، ومليشيات الدفاع الوطني، التي تقدّر بمائة ألف!
إلى الآن، الموقف الإيراني غير واضح تجاه كواليس المفاوضات بين الدول الكبرى. وبرغم أنّ إيران كانت مرحّبة بالتدخل العسكري الروسي (إن لم تكن ساهمت بإقناع بوتين بذلك)، إلاّ أنّها لن تتخلّى عن دورها ولا عن مصالحها في ترسيم مستقبل سورية، وهي ما تزال على شرطها بالتمسك بالأسد ولن تتخلّى عنه إلا بوجود ضمانات دستورية وسياسية لمصالحها في سورية. وفي الوقت نفسه، ما يزال لديها مشروع طموح بإقامة نظام موالٍ تماماً لها على جغرافية محدّدة، في حال فشلت المفاوضات السياسية.
“الخطوط الحمراء” الإيرانية ستطرح بقوة في حال تم الإعلان، من قبل الروس والأميركيين، على أنّ “لعبة الأسد” انتهت، وجرى تمرير تعهد ضمني منه بعدم خوض الانتخابات الرئاسية القادمة.
من الواضح أنّنا لسنا أمام “حل وسط” واحد، بل ما يزال هناك كثير من الملفات التي تحتاج إلى حلول وسط، وتفكيك العقد التي ما تزال تقف بصلابة أمام الحلم بحل سياسي يكاد يكون بعيداً جداً لاستعادة سورية!