لم يكن بيان الأمن العام، قبل أسبوع تقريبا، كافيا لإقناع المشككين في أن وفاة الشقيقتين ثريا وجمانة كانت انتحارا. ظلت الألسن ومواقع التواصل الاجتماعي تلوك الأكاذيب وتفبرك الروايات، في موقف ينطبق عليه المثل الشعبي: “عنزة ولو طارت”.
لكن أيا يكن، فإن العنزة لم ولن تطير. وكان ينبغي ترجمة ذلك بشرح تفصيلي شامل للحادثة وما أحاط بها من ملابسات، لتبديد الشكوك بالأدلة والبيّنات القاطعة، وهذا ما حصل في المؤتمر الصحفي لوزيري الداخلية سلامة حماد والإعلام محمد المومني، أول من أمس، بمشاركة ممثلين عن أطراف التحقيق في القضية؛ البحث الجنائي، والطب الشرعي، والأخصائيين النفسيين.
الحادثة برمتها تُختصر بسؤالين: الأول، هل كانت وفاة الشقيقتين انتحارا أم عملا جنائيا (جريمة قتل)؟ والسؤال الثاني هو: إذا لم تكن هناك شبهة جنائية، فلماذا انتحرتا؟
مسؤولية سلطات التحقيق هي الإجابة عن السؤال الأول بالدرجة الأساسية؛ فعلى هذه الإجابة تترتب إجراءات قانونية، ومسؤوليات على جهاز الأمن بكشف الجناة وتقديمهم للمحاكمة.
الجهات المعنية في جهاز الأمن العام قدمت خلاصة ما توصلت إليه التحقيقات. وعندما وجدت أنها غير كافية لتبديد الشكوك، قامت بخطوة نادرة، تمثلت في عرض تفصيلي لسيناريو الحادثة، مدعوما بشهادة الشهود على الواقعة، ومعززا بفيديو يرصد الساعة الأخيرة من حياة الشقيقتين في نادي الغولف، قبل الانتقال إلى موقع المأساة. وأضيف إلى ذلك كله، تحليل الطب الشرعي لنتائج التشريح وما تحمل من دلالات، وعرض من الطبيب النفسي لحالة الشقيقتين النفسية، استنادا إلى ما وجد بحوزتهما من عقاقير ومهدئات نفسية وعصبية، وما ظهر من رواسب في جسديهما، ونص الرسالة “الوصية” التي كتبتها المرحومة ثريا بخط يدها، ومطابقة الخطوط للتأكد من صحتها.
وتبين من العرض أن المحققين لم يتركوا شاردة أو واردة من دون التحقق منها وفحصها، قبل الوصول إلى الاستنتاج النهائي، بأن الشقيقتين أقدمتا على الانتحار فعلا.
يبقى السؤال الثاني؛ لماذا انتحرتا؟ والإجابة عنه ليست من اختصاص جهات التحقيق. وحتى لو توصلت التحقيقات إلى معلومات بهذا الخصوص، فإن من غير اللائق كشفها للرأي العام، كونها تندرج ضمن الخصوصية التي يجب مراعاتها، خاصة بعد وفاة الشخص المعني.
لم يسجل في الماضي أن تساهلت جهات التحقيق الأمنية في حوادث تدور حولها شبهات جنائية، بصرف النظر عن هوية الضحايا أو المشتبه بهم ومكانتهم في المجتمع. السجون تشهد على ذلك، وملفات المحاكم تغص بقضايا أبطالها أشخاص معروفون في المجتمع. ولم يكن هناك من سبب يدفع السلطات إلى التستر في حادثة الشقيقتين. لكن موت شخصيات عامة عادة ما يجلب الاهتمام، ويجذب الأضواء الإعلامية، وتجد فيه النخب المترفة مادة لحديث السهرات.
ما أزال أعتقد أن انتحار الشقيقتين يستحق تحقيقا استقصائيا، لأن الحادثة غير مسبوقة، والدوافع غامضة. لكن ما من حاجة بعد اليوم إلى طرح السؤال الأول؛ هل كان انتحارا أم جريمة مدبرة؟
الأمن العام أجرى التحقيق الاستقصائي بهذا الشأن، وقدم النتيجة مدعومة بالأدلة. ومن لديه قول آخر، فليتوجه إلى القضاء ويقدم ما عنده من معلومات تدحض ما توصلت إليه التحقيقات، أو ليصمت، ويترك الرأي العام بحاله؛ فالتيار العريض من الناس شبع من الأكاذيب.