أتوقع قريبا وقريبا جدا ستعلن فرنسا، والحضارة الغربية، وراءها، الحرب الدفاعية الأخلاقية والأمنية ضدنا، وسنكتوي جميعنا بنارها، ليبراليون ومتشددون، شئنا ام ابينا، وسيدفع الجميع ثمنا غاليا، وكل ذلك بسبب جهلنا وقصر نظرنا، وسكوتنا لعقود عن تصرفات السفهاء والمتطرفين منا، لا وبل النفخ فيها، أحيانا وترويجها أحيانا أخرى.
نعم نحن جميعا، مربون وسياسيون وآباء، مسؤولون عما حدث لدولنا، ولمجتمعاتنا من تطرف وتخلف، ولأبنائنا من ضياع في احضان أعتى التنظيمات الدينية شراسة، وبعدا عن العقل والمنطق..
البداية كانت في «قواطي البقالات»، التي كتبنا عنها، فتم إسكاتنا، بحجة أن ما يجمع بها هو لعمل الخير.
البداية كانت في سيطرة رجال الأحزاب الدينية على مناهج التعليم، فقيل لنا ماعليك، نحن نراقبهم، وسنتخلص منهم عندما نريد.
والبداية كانت في تغلغل المنتمين للأحزاب والجماعات الدينية في كل مفاصل الدولة، وتسليمهم الخيط والمخيط.
البداية كانت في السكوت عن مشاركة تنظيمي الإخوان المسلمين والسلف في الانتخابات ودستور الدولة، بعلمانية بنوده ترفض ذلك.
والبداية كانت في الترخيص لعشرات الجمعيات الدينية والسماح لها بفتح مئات الفروع، التي لم تفعل شيئا غير جمع الأموال، ولهف %20 منها وإرسال الباقي لمقاتليهم وأحزابهم في الخارج، ولتصرف على مدارس الحفظ، ولتجهيز جيوش دعاة لا نعرف عنها شيئا، لنفاجأ بعدها بجيوش طالبان وبعشرات الآلاف من مقاتلي «داعش» والنصرة وجند الشام وغيرهم.
كانت البداية عندما «رزينا» المشبوهين من الدعاة، من اصحاب الأقلام الذهبية والسفر على الدرجة الأولى، في صدور مجالسنا، وسمحنا لهم بتأسيس الروابط والاتحادات والهيئات، دون رقيب. وفتحنا لهم القنوات والإذاعات لبث أفكارهم، وسهلنا لهم تملكها وبث سمومهم منها.
كانت البداية عندما سكتنا عن حادثة الجلد الصحراوي، وفتاة المعهد التجاري والاعتداء على السيرك، وعلى محلات الفنان عبدالحسين عبدالرضا، وعشرات الأحداث الإرهابية الأخرى.
كانت البداية في سكوتنا عن «مجنون المقبرة»، الذي كان، ولا يزال ينفث سمومه الطائفية، وكانت احدى الصحف المحلية توزع مطوياته بداخلها، وفيها كل أمراضه وأحقاده.
لقد فات الوقت لإصلاح الوضع، والكارثة قادمة لا محالة، فمن دربتهم طالبان، على مدى السنوات العشرين الماضية، ومن هيأتهم «داعش والنصرة» وغيرها من التنظيمات الإرهابية، التي لا تزال تحظى بالدعم المادي والبشري، قد كبروا الآن وأصبحوا يشكلون رأس حربة الإرهاب، وهم وشرهم قادمون لنا لا محالة.
لقد دفع المسلمون والعرب ثمنا غاليا بعد أحداث سبتمبر، وكانت هناك فرصة متاحة لهم لتعديل أوضاعهم والقضاء على بؤر الإرهاب في دولهم، ولكن الجميع سقط في الامتحان، لا بل وزاد التطرف أضعاف ما كان عليه.
نعيد ونقول للمرة الألف، طبقوا العلمانية، وروجوا لليبرالية، ومهدوا للتسامح؛ واجعلوا مناهجنا خالية من أي تطرف كان، وانشروا المحبة، وادعموا الفنون، وشجعوا الأدب، وانفتحوا على دول العالم وثقافاته، فقد طال تخلفنا وجهلنا.
ولكن.. هل لا يزال هناك وقت لدينا؟ اشك في ذلك.