جمانة غنيمات/تعداد السكان و”التوطين”

إجراء تعداد سكاني مسألة اعتيادية، منصوص عليها في القانون الذي يفرض القيام بهذا التعداد كل 10 سنوات. رغم ذلك، وعلى غير عادة، فإن العملية التي يفترض أنها طبيعية وضرورية، تثير اليوم مخاوف أردنيين حد السخرية، إذ تفتح الباب لهواجس من مثل “التوطين”.
لا أدري كيف توصل بعضهم لهذه النتيجة، ولكن الرد جاء مباشرا من رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، وقبله من نائب الرئيس وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، إذ أكدا أن لا أهداف سياسية للتعداد، فهو لا يرتبط، من قريب أو بعيد، بقضية “التوطين” خصوصاً.
بصراحة، تأخر التعداد السكاني كثيرا، وإن كان يأتي الآن في موعده القانوني. ذلك أن الظروف الإقليمية وتداعياتها محليا، كانت تحتم إجراءه قبل موعده، أقله حتى نعرف عدد وتصنيف المقيمين على الأرض الأردنية.
إذ من دون معرفة العدد الصحيح للسكان، لا يمكن وضع تخطيط سليم لكل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما أن عدد السكان صار غير واضح، والفرق بين التقديرات المختلفة قد يكون بالملايين! ففيما يقول بعض المسؤولين إن عدد سكان المملكة بلغ سبعة ملايين نسمة، يقفز آخرون إلى عدد 11 مليوناً. وهذا البون الشاسع بين الأرقام يربك المخطط، بافتراض السعي إلى توفير خطة واضحة المعالم والأهداف.
والارتباك مرده، كما هو معروف، التغير الكبير في عدد السكان نتيجة حركة اللجوء الاستثنائية التي حصلت خلال السنوات الماضية. إذ توافد مئات آلاف المواطنين السوريين، بحيث صاروا يشكلون اليوم 20 % من سكان الأردن. كما لا يتوقع أن يعودوا، في غالبيتهم، إلى بلادهم في غضون العقد المقبل.
أما الهواجس المتعلقة بالتوطين وربطها بالتعداد السكاني على غرابتها، لربما مردها أصلا عجز المجتمع الدولي عن حل أزمات الإقليم؛ بدءا من القضية الفلسطينية التي تواجه كل مقترحات تسويتها بتعنت إسرائيل، وسط توقعات أيضا لشخصيات سياسية باستغلال المحتل الوضع الإقليمي السيئ لتوجيه الضربة القاضية للقضية العربية المركزية.
يفاقم المخاوف استعصاء الحل في سورية، وتوقعات استمرار الحرب بالوكالة هناك، بما يؤدي إلى مزيد من حركة اللجوء خلال الفترة المقبلة. كما يضاف إلى ذلك توتر الحال في العراق، من دون أي أفق أيضا.
التوطين واللجوء في منطقة غير مستقرة يبقيان مسألة مطروحة. وبلد مثل الأردن، طالما شهد موجات لجوء على مدى وجود الدولة، اعتاد ذلك. بيد أن مخاوف المجتمع القائمة هذه المرة تتزايد، وربما تظهر أكثر، بسبب شدة التنافس على الموارد المحدودة أصلا.
فالمحددات كثيرة، والتهديدات أيضا قائمة، في ظل شكوى مجتمعية من “الآخر”، كونه ينافس الأردني على فرصته في العيش. ودليل ذلك الأرقام، وتحديدا فيما يتعلق بالبطالة التي ارتفعت خلال الفترة الماضية، رغم تحقيق الاقتصاد معدلات نمو تصل 2.5 %. فهذه نسبة مساوية لمعدلات النمو السكاني، بمعنى أنه كان يفترض ثبات نسب البطالة إن لم يكن تراجعها ولو بشكل طفيف، فيما ارتفاعها يعني، في المقابل، أن فرص العمل التي يولدها الاقتصاد تذهب لغير الأردنيين، وتحديدا السوريين باعتبارهم التطور الجديد في التركيبة السكانية.
تجاوزاً لأزمة مجتمعية محتملة، نتيجة النمو الخطير في عدد السكان؛ وحتى تثبت الحكومة وجهة نظرها بأن لا خطط للتوطين، فإن عليها العمل باتجاهين: الأول، استيعاب هذه الطفرة السكانية بما لا يزيد من معاناة الأردنيين. والثاني، إبقاء الباب مفتوحا لعودة الضيوف إلى بلدانهم حالما تسمح الظروف.
صحيح ما تقوله الحكومة؛ بأن لا خطط للتوطين. لكنه صحيح أيضا، من جانب آخر، أن الضيوف/ اللاجئين لن يعودوا غدا إلى بلدانهم، وبما يفرض عبئا إضافيا، وتهديدا لحالة الاستقرار المجتمعي. وكل ذلك يعني بالمحصلة أن التعداد السكاني ضرورة، حتى تقيّم الحكومة بشكل دقيق حجم التحدي القائم.

شاهد أيضاً

السمهوري: مطلوب تحرك المجتمع الدولي إنتصارا للقضاء الدولي

عروبة الإخباري كتب عضو لجنة الشؤون الخارجية والبرلمانية في المجلس الوطني الفلسطيني، رئيس جمعية جذور …

اترك تعليقاً