يمتزج القنوط المتراكم من حيث تأتي، بالإعجاب المتعاظم من حيث تصل، وهكذا من لبنان الى الكويت لا يعرف المرء أين تنتهي المرارة من واقع يطحنه الفراغ وأين تبدأ الدهشة من واقع تشعله حيوية الدولة، من ديموقراطية يتم التمادي في تعطيلها وتنحدر الى الفشل، الى ديموقراطية يتسع العمل على ترسيخها والارتقاء بها الى ملاقاة وجدان الشعب وطموحات المواطن!
دُعيت الى الكويت لحضور افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الأمة، فكنت أسير شعور متناقض: المرارة حيال وطني لبنان حيث تذوي ديموقراطية ويراوح مشروع الدولة في الفشل والفراغ الذي شلّ السلطات، والإعجاب حيال الكويت العزيزة حيث تزدهر الديموقراطية وتتقدم الدولة وتتأصل وتصعد بخطى راسخة…
في احتفال حاشد حضره السفراء ودعي اليه سياسيون وإعلاميون، افتتح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح [الذي يعشق لبنان] دورة مجلس الأمة بخطاب جاء بمثابة خيمة أمان أراد ان يسحبها فوق الكويت على كل المستويات، أمنياً واقتصادياً وسياسياً لجهة سهر السلطتين التشريعية والتنفيذية على برامج الإصلاح والتطوير واستجابة حاجات المجتمع وتنميته.
ليس خافياً أن الوضع المضطرب والمتفجر في المنطقة يجعل الأمن هماً متقدماً عند الجميع، وليس خافياً سهر الشيخ صباح على هذا الشأن، والدليل كان نزوله الفوري والداً للكويتيين جميعاً لتفقد مسجد الإمام الصادق قبل ان ينجلي دخان التفجير الاجرامي هناك، وهو ما يجعل الكويتيين يرددون بفخر “تعمد ان يجعل صدره ترساً يحمي الكويت وحلماً يحتضن وحدتها الوطنية دحضاً للمتآمرين”!
كان تركيزه واضحاً في مخاطبته الحكومة ومجلس الأمة والمواطنين، على “جعل أمن الوطن وسلامة المواطنين همنا الاول وشغلنا الشاغل”، مؤكداً الحرص على حماية الوحدة الوطنية بقوله: “لن نسمح أبداً بإثارة الفتنة البغضاء أو العزف على أوتار الطائفية أو استغلال النزعات القبلية”. من الأمن الداخلي الى الأمن الإقليمي، أكد الشيخ صباح ان أمن الكويت جزء لا يتجزأ من أمن دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تدعم الكويت “عاصفة الحزم” التي أطلقها الملك سلمان دفاعاً عن الشرعية في اليمن.
الموضوع الإقتصادي أخذ حيزاً بارزاً في الخطاب، وكان لافتاً تذكيره الحكومة ومجلس الأمة بما سبق له أن نبّه إليه من مخاطر النمط الاستهلاكي على حساب التنمية والاستثمار في الإنسان الكويتي وهو “القيمة الحقيقية المضافة لبلدنا”، وفي مواجهة انخفاض سعر النفط وتراجع الإيرادات دعا الى إجراءات عاجلة في اطار الإصلاح الاقتصادي، والتصدي الحازم لمظاهر الفساد، مؤكداً الحرص على عدم المساس بالفئات المحتاجة وصندوق الأجيال القادمة.
تذهب الى الكويت فتفرح بديموقراطية تصعد. تعود الى لبنان فتحزن لديموقراطية تتداعى!