التوقيف في قضايا المطبوعات والنشر لا يخدم سوى الموقوفين، ويجعل منهم أبطالا في نظر الناس والمنظمات الدولية؛ فيما الحكومات لا تنال غير التقريع والنقد والشتم، لحجزها حرية شخص قبل محاكمته وإدانته.
قانون المطبوعات والنشر لا يجيز الحبس والتوقيف للصحفيين وسواهم من أصحاب الرأي، وقد شمل تحت مظلته المواقع الإلكترونية، وفرض عليها التسجيل والترخيص. ولا بأس في ذلك، ما دامت هذه المواقع تعمل كمؤسسات إعلامية، ينطبق عليها ما ينطبق على وسائل الإعلام الأخرى.
لكن رغم هذا النص القانوني الواضح، ما تزال السلطات تلجأ لأسلوب التسلل عبر قوانين أخرى، لممارسة هوايتها في التوقيف. وآخر محاولات التسلل، التفسير الصادر عن ديوان تفسير القوانين، والذي يجيز حبس الصحفيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، وفق قانون الجرائم الإلكترونية.
يتعين على السلطات الحكومية المختصة التفكير بحلول جذرية للخروج من هذه الدوامة، وفوضى المرجعيات القانونية، لأنها المتضرر الأول منها؛ فهي تدفع من سمعتها مع كل عملية توقيف، فيما يكسب بعض الموقوفين أحيانا سمعة طيبة لا يستحقونها.
في الإعلام الإلكتروني تجاوزات كثيرة، وانتهاكات لأبسط القواعد المهنية والأخلاقية. وليس هناك من اعتراض على حق المتضرر في اللجوء إلى القضاء، وتغريم الوسيلة الإعلامية ومحاسبتها إذا ما دانها القضاء.
لكن، لنتفق على إلغاء عقوبتي التوقيف والسجن في قضايا المطبوعات والنشر. العالم المتحضر ألغى مثل هذه العقوبات، وهي منافية لأبسط الحقوق الأساسية للبشر.
هذا ليس تحصينا لفئة دون غيرها من المجتمع، إنما لسائر المواطنين. فباستثناء النشاط الإلكتروني الداعم للجماعات الإرهابية، لا يجوز معاقبة إنسان على آرائه بالسجن والتوقيف.
قد نستشيط غضبا في بعض الأحيان، عندما نطالع منشورات إلكترونية تحط من كرامة الأشخاص، وتعتدي على خصوصياتهم، وتتجاوز على الأعراف المهنية. لكن علينا أن نضبط ردود فعلنا، لأن العالم من حولنا تغير تماما، ولم يعد هناك من يتسامح مع الاعتداء على الحريات العامة. ثمة معايير عصرية في هذا الشأن، أصبحت محل إجماع، علينا الالتزام بها واحترامها، أعجبتنا أم لم تعجبنا.
وأكثر من ذلك، فإن منصات التفاعل الاجتماعي وفّرت للأفراد فرصة لقول ما يريدون قوله، من دون أن تتمكن السلطات من تتبعهم أو ضبطهم. وحتى أولئك الذين يعبّرون عن آرائهم يوميا على “فيسبوك” و”تويتر”، وهم بالملايين، هل تفكر السلطات بملاحقتهم بعد هذا التفسير المتعسّف؟!
إن التفسير الأخير للمادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية، لا لزوم له إطلاقا، ويضر بسمعة الأردن؛ ليس في الخارج فقط، بل وفي الداخل أيضا.
الحاجة ماسة اليوم إلى جلوس جميع الأطراف على طاولة واحدة، والخروج بتصور موحد تخضع بموجبه قضايا النشر لقانون واحد، وتلغى النصوص كافة السالبة للحريات في القوانين السارية. والعمل في الوقت نفسه على تطوير فكرة ميثاق الشرف ومدونة السلوك الإعلامي، لخلق أوسع إجماع ممكن حولهما. وفي هذا الصدد، يمكن لمجلس الشكاوى الذي يدور الجدل حوله، أن يلعب دورا مساندا في تهذيب الخطاب الإعلامي، وردع المتجاوزين والمبتزين في الوسط الإعلامي.
أضرار التوقيف والحبس أكثر من فوائدهما بكثير؛ راجعوا الحالات السابقة، لتتأكدوا من صحة هذه الفرضية.