واضح أن الشباب الفلسطيني، الممتلئ شعورا بالاختناق وفقدان الأمل، هو عنوان الغضبة الفلسطينية الحالية. فالجيل الجديد تحرّك بعفوية ضد المحتل، بعد أن فقد الأمل بعملية السلام، وقبلها بصدق المجتمع الدولي بإيجاد حل للقضية الفلسطينية. فأدرك هذا الجيل أن فكرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أبعد بكثير مما يُنظّر به المسؤولون، من كل الأطراف وعلى كل المستويات.
الجميع تفاجأ بهبّة السكاكين؛ إذ لم يتوقع أحد أن تصل هذا الحد ردة الفعل لدى شباب لا يكاد يتجاوز متوسط أعمارهم 19 عاما. فالفصائل الفلسطينية، كما “السلطة”، لم يتوقعوا على الأغلب هذا الشكل من المقاومة، ولم يدركوا مدى ترسخ أسبابها وبالتالي إمكانية انتشارها. وهو ما يعكس في الوقت ذاته، فقدان الإيمان لدى هذا الجيل بالقوى السياسية الفاعلة على الأرض، كما بالسياسيين عموماً، والسلطة الفلسطينية.
تحرّك الشباب جاء ردا على استفزازات إسرائيل على يد مستوطنيها وجنودها، كما محاولة لوقف مخططات لفرض واقع مختلف في الأراضي المحتلة. ففي الوقت الذي يسعى الشباب إلى التصدي لمسعى إسرائيل الواضح بفرض تقسيم زماني ومكاني في المسجد الأقصى، من أجل السماح لليهود بالصلاة في ما يسمونه زعماً “جبل الهيكل”، تنشغل الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية بخلافاتها، مع محاولات مصالحة بائسة، تفشل في طمأنة الجيل الفلسطيني الجديد إلى أن مستقبله في أيد أمينة.
المؤكد الآن أن شباب فلسطين خالفوا كل التوقعات، وقدموا فعلا يبرهن بشكل قاطع أن لا سلام في ظل سياسات إسرائيل المستفزة. ورغم أن هذا الجيل لم يدرك الانتفاضة الأولى، أو ربما حتى الثانية، إلا أنه وعى بالفطرة أن إسرائيل لم تخضع يوما للدبلوماسية، بقدر ما استجابت مضطرة لفعل المقاومة. وليكون اللافت أيضا أن الشباب الذي لا ينتمي في غالبيته العظمى، كما يبدو، لأي فصيل سياسي، يعلم أن مقاومته والوقوف في وجه المحتل، هما الأكثر فعالية في تشكيل ورقة ضغط على إسرائيل للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وفي الطريق إلى ذلك، بل وكأحد أدواته، لفت نظر العالم إلى شعب اغتصبت أرضه لعقود، وبقي من دون دولة حتى الآن.
إذ إن فقدان الأمل لدى الشباب الفلسطيني مرده، في أحد الجوانب، تراجع إن لم يكن تلاشي الاهتمام بقضية وطنهم بعد أن كانت يوماً القضية الأولى عالمياً كما عربياً، وليكون الاهتمام اليوم بما يجري في سورية والعراق ومناطق أخرى. ففيما يبدو العالم منشغلا بمحاربة إرهاب “داعش” في سورية والعراق، تسرح إسرائيل وتمرح، استيطاناً للأراضي المحتلة وإرهاباً للشعب الفلسطيني الأعزل، الذي وجد شبابه ضالتهم في السكاكين، بعد أن وجدوها في الحجارة قبل سنوات.
إهمال العالم للقضية الفلسطينية، وانشغال الإدارة الأميركية بكل شيء إلا التوصل لحل نهائي عادل لهذه القضية، بل واعتبارها ملفا ثانويا؛ مع الفشل الكبير في وضع حد لتطاول حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، وترك الساحة فارغة للمحتل ليتجبر بهذا الشعب؛ كل ذلك وفّر بيئة حاضنة لربيع فلسطيني، نجومه شباب لم يتلوثوا بالسياسة والمصالح، وهمه الوحيد الانتفاض في وجه المحتل مغتصب الأرض.
لكل هذه الأسباب ثار الشباب، ولأجل هذا خرجت الصبايا إلى أرض المعركة، وكأنهم يقولون للعالم: إن لم تحفظوا حقنا بالدبلوماسية، فسنحفظه بدمائنا! وإن لم تحموا المقدسات رغم كل الاتفاقيات، فسنحميها بأرواحنا.
شباب وصبايا فلسطين المحبطون من المواقف العربية والدولية، قدّموا ما عليهم. واليوم، على المجتمع الدولي التحرك. كما على جميع الدول العربية أن تنشط في دعم جهود الأردن للحفاظ على المقدسات، وحماية الفلسطينيين من إرهاب إسرائيل ودمويتها.