حفزت المواجهات الدائرة في القدس ومدن الضفة الغربية، قوى وأحزابا سياسية، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين على العودة إلى الشارع من جديد، بعد انقطاع طويل.
للأردن خصوصيته فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وهذا أمر معروف ومسلم به. وكان لافتا بحق الهدوء الذي ساد عواصم ومدنا عربية يوم الجمعة، مقارنة مع المدن الأردنية التي شهدت مسيرات واعتصامات، من أربد شمالا إلى العقبة في أقصى الجنوب.
في حال استمرت الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وعمليات الاقتحام للحرم القدسي الشريف، فإن الفرصة ستكون مواتية أمام قوى حزبية لاستثمار هذه التطورات في الشارع الأردني، وتصعيد الحراك التضامني، بأجندات داخلية أيضا.
من بين العوامل الأساسية التي ساعدت الأردن على التعامل بكفاءة مع التحديات الخارجية على الجبهتين الشمالية والشرقية، حالة الهدوء النسبي التي سادت على المستوى الداخلي من جهة، ووضعية “الستاتيكو”على الجبهة الغربية من جهة أخرى.
لقد بدا أن كل القضايا؛ صغيرها وكبيرها في المنطقة معلقة، لحين الحسم في سورية؛ المفاوضات بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية متوقفة، المصالحة بين حركتي فتح وحماس مرهونة بشروط إقليمية، سورية في مقدمتها، والانتفاضة ليست في المتناول، في وقت تدور فيه حرب كونية على مقربة من فلسطين، لابل وحول فلسطين.
“ستاتيكو” قاتل، لكنه منح الأردن قدرا كبيرا من الاستقرار، والتفرغ لصد خطر الجماعات الإرهابية على حدوده، وترتيب أوراقه الداخلية.
تحريك الجبهة الغربية، يعني تحريك الوضع الداخلي، وفي ذلك مخاطر واحتمالات غير محسوبة لخلط الأوراق، بعد أن أوشكنا على توضيبها.
سيكون من الصعب على الأردن إدامة حالة التأهب على ثلاث جبهات، وتحويل الأنظار أمنيا لتحدٍ داخلي جديد غير تحدي الجماعات الإرهابية.
ما الذي يمكن فعله لتجنب “القتال” على ثلاث جبهات؟
العمل وبكل قوة لتثبيت “الوضع القائم”، ولكن بشروط جديدة.
القوى الفلسطينية المنظمة، والمهيمنة على الساحة في الضفة والقطاع، لاتميل إلى التصعيد. حركة حماس أكدت من جديد رغبتها في تحييد غزة، لتجنيب أهلها عدوانا إسرائيليا جديدا. “فتح” المنقسمة على نفسها ليست مؤهلة لتحمل أعباء الانتفاضة.
أس الداء هي حكومة الشياطين في إسرائيل. هي وحدها المسؤولة عن إخراج الفلسطينيين عن طورهم، ودفعهم دفعا للانتفاضة العفوية. هي حكومة نتنياهو بسلوكها العدواني التي تهدد حالة الاستقرار في الأردن، وتدفع لفتح جبهة جديدة من جبهات الصراع.
لا ينقص نتنياهو الذكاء ليدرك أن تحريك الوضع القائم، يفسح المجال لتسلل الجماعات المتطرفة، تماما مثلما حدث ويحدث في سورية وليبيا والعراق واليمن.
الآن وبعد ما يزيد على شهر من المواجهات في القدس، يغدو من الصعب العودة إلى الوضع الذي كان قائما بدون ترتيبات تقنع الفلسطينيين ومعهم الأردن، أن الحرم القدسي والمسجد الأقصى، لن تطاله خطط التقسيم الزماني والمكاني، وتتوقف قطعان المستوطنين وبشكل كامل عن دخول ساحات المدينة المقدسة، وترفع الحواجز من شوارعها.
بخلاف ذلك، ليس من ضمانة لوقف حرب السكاكين والمفكات.
وعلى المستوى الداخلي، لن يكون سهلا على الحكومة الأردنية أن تغلق النافذة الاستثمارية في وجه الإخوان المسلمين، ومن يرغب من قوى وشخصيات.