ربما كان أخطر من التفجير الذي شهدته أنقرة نهار السبت الماضي وأودى بحياة ما يقارب مئة شخص وإصابة أكثر من 500 بجروح، حال الانقسام العميق في المجتمع التركي وبين أحزابه السياسية، منذ انتخابات 7 حزيران (يونيو) الماضي، التي لم تُظهر نتائجها أغلبية حاسمة لحزب «العدالة والتنمية».
تُرافق الانقسام هذا حملات تخوين واسعة من الجميع ضد الجميع. الحكومة تتهم معارضيها بالتواطؤ مع الأكراد، وهم مواطنون أتراك يتجاوز عددهم 15 مليون شخص، أصبحوا كبش محرقة، مع أنهم هم الذين يتعرضون للتفجيرات ويكون أكثرهم من ضحاياها، كما في تفجير بلدة سوروج الحدودية مع سورية في تموز (يوليو) الماضي وفي تفجير أنقرة الأخير. وعلى رأس المعارضين المتّهمين، حزب «الشعوب الديموقراطي» بزعامة صلاح الدين دميرطاش، الذي ساهم تفوقه المفاجئ في الانتخابات الأخيرة في حرمان حزب رجب طيب أردوغان من الأكثرية الحاسمة، وأصبح دميرطاش بالتالي هدفاً للحملات من جانب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو. أردوغان يترفع بكبرياء مقيتة عن لفظ اسم دميرطاش في إحدى مقابلاته التلفزيونية، أما رئيس الحكومة فقد استثناه من المشاورات التي أجراها مع قادة الأحزاب بعد التفجير الأخير.
وفي الجانب الآخر، لا يتردد المعارضون وقسم لا يستهان به من الرأي العام التركي في اتهام الحكومة بالتواطؤ مع منفذي التفجيرات وبغض النظر عنهم. أما الذين لا تصل نواياهم السيئة الى هذا الحد، فإنهم في أحسن الحالات يتهمون الحكومة بالتقصير في حماية المتظاهرين، على رغم معرفتها بأجواء العنف التي تعيشها البلاد، والاختراقات الأمنية المتكررة.
ولم يساعد توجيه الاتهام الرسمي الى تنظيم «داعش» بالمسؤولية عن تفجير أنقرة، ثم إقالة مسؤولين أمنيين في شرطة العاصمة، في تخفيف الاحتقان الداخلي. إذ إن الاتهام وقرارات العزل جاءت بعد أن سبق السيف العذل، كما يقال. فالأكراد في تركيا يشعرون الآن أنهم الجهة التي تتعرض لغضب أردوغان أكثر من سواها. والمفارقة أن الرئيس التركي يقف في عدائه المستجد للأكراد في بلاده في صف واحد مع تنظيم «داعش»، الذي كانت المقاومة الكردية في شمال سورية، وخصوصاً في كوباني (عين العرب)، سبباً أساسياً في هزائمه.
من هنا تصل نظريات المؤامرة، المنتشرة في تركيا على نطاق واسع، إلى حد الربط بين المصلحة المشتركة لأردوغان و «الداعشيين» في القلاقل التي تشهدها المدن التركية. أردوغان يحيي المشاعر القومية التركية وأحلام السلطنة الغابرة، بهدف تحسين فرصه الانتخابية من خلال الإيحاء بأن حزبه (مع أن المفترض أن منصب الرئيس يجب أن يكون مستقلاً عن الانتماء الحزبي) هو الأقدر على حماية أمن الأتراك والحفاظ على مستوى معيشتهم الجيد الذي توافر لهم خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية. وتنظيم «داعش» يستغل مناخ العداء السائد في تركيا ضد الأكراد لتنفيذ عمليات الانتقام منهم بتفجير القنابل والسيارات المفخخة في تجمعاتهم الانتخابية.
وكان لافتاً في هذا السياق، التحقيق الذي نشرته صحيفة «راديكال» التركية المعارضة، ونشرت «الحياة» مقتطفات منه في ملحق «صحافة العالم» في عدد أمس (الأربعاء)، وفيه معلومات مفصلة عن إهمال الأمن التركي لملاحقة إرهابيين من «داعش» نفذوا سلسلة تفجيرات في تجمع انتخابي لحزب «الشعوب الديموقراطي» في حزيران الماضي ثم في سوروج وربما الآن في أنقرة. وفي إطار الاتهام تصل الصحيفة إلى نتيجة: لو أولت الحكومة اهتماماً بظاهرة المنتسبين إلى «داعش» ومن سافروا للقتال في سورية وعادوا إلى تركيا، وتتبعت خطواتهم لما وقعت تلك التفجيرات، لكن الحكومة لم ترَ أنهم وأمثالهم مصدر خطر!