يضع دولة طاهر المصري؛ رئيس مجلس الأعيان السابق وأحد أبرز السياسيين الأردنيين (في مقاله المنشور في “الغد” أمس، بعنوان “التحولات الخطيرة في قيم المجتمع الأردني”)، قضية مهمة وحيوية على مسرح النقاش العام، هي قضية التغيّرات الاجتماعية والقيمية في الأردن، والتي -للأسف- بالرغم من الكمّ الكبير من علماء الاجتماع وآلاف الرسائل الجامعية والعدد الكبير من المثقفين، لم تُدرس بصورة علمية جديّة إلى الآن!
المصري يتبنّى في مقاله فرضية أنّ هناك تحولات سلبية خطرة على القيم الأخلاقية التي تحكم السلوكيات الاجتماعية عموماً. ويحيل ذلك، في أجزاء المقال، إلى أسباب وعوامل متعددة؛ مثل المتغيرات الإقليمية وما أفرزته من هجرات خلقت تعقيدات اجتماعية، والسياسات الرعوية للدولة التي تعزز قيم الاتكال على الدولة بدلاً من الانتاج، والاعتماد على المساعدات الخارجية.
كما أنّه يشير، بصورة كبيرة، إلى العامل الاقتصادي المرتبط بالفقر والبطالة، وما يسميه الاستقطاب الحاد بين طبقتين مع تراجع الطبقة الوسطى؛ بالتوازي مع الفساد الإداري وسيادة قيم انتهازية، مثل أنّ السلطة تأتي بالثروة والعكس صحيح، ما انعكس على النظرة إلى المال العام والتجرؤ على التطاول عليه في كل مستويات المجتمع.
المقال، عموماً، جميل، يختزل كثيراً من الظواهر والتحولات. لكن أهميته الحقيقية تتأتى من أن يكون فاتحة لنقاشات علمية موسّعة، عبر دراسات جديّة. ولعلّ كليات الاجتماع ورؤساء الجامعات ومراكز الدراسات، يتنبّهون لهذه الزوايا ويبادرون إلى تحريك المياه الراكدة، أو العقول الراكدة بعبارة أدق، لينتجوا لنا رؤى تفيدنا في تلمّس طريقنا وإدراك ما يحدث في المجتمع، وقراءة ما يترتب على هذه التحولات من مخرجات ونتائج!
لكن في هذه العجالة، وبالرغم من أنّني أتفق جزئياً مع ما طرحه رجل الدولة المخضرم، إلاّ أنّه من المفيد أن ننظر إلى الزوايا الأخرى للمشهد الاجتماعي، وهو بالصدفة ما كنت أفكّر فيه، أو بعبارة أكثر صراحة أحلم به في يقظتي في الأيام الماضية؛ أي تعزيز القيم الاجتماعية الإيجابية، التي لها أيضاً اليوم نصيب مما نراه في حياتنا اليومية، ومنحها شرعية وقوة دفع كبيرة؛ فليس كل ما نشاهده حالياً سلبياً، بل هناك ميكانيزمات للمقاومة الأخلاقية ما تزال فعالة ومنتجة!
هناك شريحة اجتماعية عريضة من مختلف الطبقات، وتحديداً الطبقة الوسطى، تشعر بالقلق من الأوضاع الراهنة، والخشية الكبيرة على مستقبل أبنائها في ظل ما يحدث في المنطقة، والتدهور الاجتماعي في الأردن. لذلك، هي تعمل جادة على المسار الآخر، من أجل تعزيز القيم الأخلاقية الإيجابية. فهناك مبادرات قراءة جماعية تضم عددا كبيرا من الشباب، كما مبادرات رياضية، وخيرية وتطوعية.. إلخ.
صحيح أنّ هناك تحولات خطيرة، كما ذكر المصري، وربما من الظواهر الأكثر خطورة مما لم يذكره بروز الهويات الفرعية والتعصب وانتشار المخدرات بين الشباب وطلبة الجامعات، كما العنف الجامعي، وبروز ظاهرة الرشوة في القطاع العام، والفكر المتطرف العدمي. لكن، في المقابل، ثمّة شموع منيرة في هذه العتمة، وعمليات إنقاذ ودفاع أخلاقي ومجتمعي تتم بقوة وفي الاتجاه الآخر، تستحق أن نشاهدها ونلحظها وننمّيها.
في الخلاصة، الموضوع الاجتماعي والأخلاقي اليوم على درجة كبيرة من الأهمية. وقد وضعه دولة الرئيس أبو نشأت مشكوراً على الطاولة. وهو موضوع يتجاوز أو يتجاور في الحدّ الأدنى، بأهميته مع الموضوعات السياسية التي تملأ الفضاء الإعلامي والسياسي، ويستحق منا نقاشاً وحواراً واهتماماً كبيراً في الفترة المقبلة.