أكتب في “الغد” منذ 46 شهرا، إضافة إلى كوني مستشارا للتحرير في الصحيفة. وأنا فخور بهذه التجربة مع زميلات وزملاء رائعين، وسأستمر معهم إلى جانب عملي الجديد مع نخبة من الأساتذة على تأسيس محطة “تلفزيون” الخدمة العامة المستقلة.
التجربة جديدة وغير مسبوقة بالنسبة لنا في الأردن. وإن كنا سنبدأ من الصفر لتأسيس المحطة التلفزيونية، إلا أن أمامنا خبرة متراكمة لدول كثيرة سبقتنا في هذا المضمار، سنسعى للاستفادة منها قدر ما نستطيع. لكننا في كل الأحوال، سنحتاج لوقت ليس بالقصير قبل أن ننطلق؛ فثمة دراسات لا بد منها، وعمل منظم؛ علمي وممنهج، لوضع الأسس السليمة والمتينة لولادة تلفزيون عصري ومتطور. وسيكون الجمهور الأردني بصورة كل خطوة نخطوها، وصولا إلى يوم الانطلاق على الهواء.
يسأل العديد من المهتمين والمتابعين لولادة الفكرة: لماذا المحطة الجديدة ما دام لدينا التلفزيون الأردني؟
المحطة التي نعمل على تأسيسها ليست بديلا من التلفزيون الأردني، ولا منافسا له. التلفزيون الأردني محطة شاملة؛ فيها الأخبار والمسلسلات والبرامج المنوعة، وتخضع في عملها لإدارة الحكومة عبر مجلس إدارة يعينه مجلس الوزراء. أما المحطة التي نحن بصددها، فهي إخبارية، وعلى غرار محطات أجنبية وعربية معروفة؛ “سي. إن. أن” و”بي. بي. سي” و”الجزيرة” و”العربية” و”سكاي نيوز”، وسواها من المحطات.
وفي مقابل السؤال المذكور، نطرح أكثر من سؤال: هل هناك دولة في العالم تعتمد على محطة تلفزيونية واحدة؟ ألا نحتاج في الأردن، مثل سائر دول المنطقة، إلى محطة إخبارية تحمل رسالتنا للداخل والخارج؛ شاشة يرى كل أردني نفسه من خلالها، تناقش همومه ومشاكله بحرية ومسؤولية؛ شاشة يشاهدها الشقيق العربي ليعرف حقيقة مواقفنا وإنجازاتنا، ومتاعبنا أيضا؟
والمحطة لن تكون خاضعة لسلطة الحكومة، وإنما لمجلس إدارتها الذي عُين -كما لاحظتم- بإرادة ملكية سامية، ولا يمكن للحكومة عزله. وسيتولى مجلس الإدارة تعيين إدارتها التنفيذية؛ المدير العام ومديري الدوائر الرئيسة. وهو المكلف، حسب نظام عمل المحطة، بوضع سياستها، ومتابعة ومراقبة تنفيذها، وإقرار موازنتها الممولة من الخزينة العامة، والخاضعة بدورها لرقابة ديوان المحاسبة.
وقبل أن نذهب بعيدا في التوقعات، نشير إلى أن المحطة ليست دولية، على غرار ما ذكرنا من فضائيات. المحطة ستكون مكرسة لخدمة الجمهور الأردني بالدرجة الأولى، وبسقف حرية لم يعهده من قبل، لا تحكمه سوى الاعتبارات المهنية والأخلاقية التي تتعرض لانتهاكات كبيرة في زمننا هذا، تفوق في بعض الأحيان انتهاكات الحكومات لحرية الإعلام.
إننا، وباختصار، نود أن نترجم رؤية جلالة الملك وحلمه بإعلام دولة حقيقي؛ جاد ومسؤول، يحترم عقول المشاهدين، وحقهم في معرفة كل ما يهم مستقبلهم وحياتهم ومصالح دولتهم، بعيدا عن التهويل والتهوين. إعلام يستند إلى المعلومة الموثقة والدقيقة، ويتيح لكل أصحاب الرأي، من شتى الاتجاهات السياسية والمكونات الاجتماعية، قول رأيهم، ليتسنى للمواطن الأردني تكوين صورة واضحة وشاملة وواقعية حول كل ما يدور حوله؛ هنا في الداخل، وهناك في الخارج الذي بات هما داخليا، حيث تدور معارك تقرير مصير الأوطان ورسم الخرائط من جديد.
المهمة صعبة وثقيلة من دون شك. لكن أود القول إن مهمتنا تحظى بدعم واسع من مؤسسات الدولة الأردنية، التي أصبحت على قناعة تامة بأن الأردن الذي تجاوز كل الصعاب وغدا أنموذجا في الاستقرار، لا يمكنه أن يواجه التحديات الكبرى من دون سلاح إعلامي فعال.
طالما كنا نسأل أنفسنا: إذا كان الإعلاميون الأردنيون قادرين على النجاح والتميز في كل وسيلة إعلام عربية أو أجنبية يحطون فيها، فما الذي يحول دون تمكنهم من بناء مؤسسة إعلامية وتلفزيونية ناجحة ومنافسة في بلدهم؟
لا شيء في اعتقادي يحول دون ذلك. وسنعمل على استقطاب أفضل الكفاءات الأردنية للمحطة الجديدة، بما يوفر أسباب النجاح. ويملك مجلس الإدارة التفويض الكامل لحماية استقلال المحطة وصون عملها من التدخلات.
لقد منحتني هذه المهمة شرف العمل إلى جانب أساتذة وخبراء في مجال العمل الإعلامي والتلفزيوني، لبوا نداء الواجب الوطني، متجاوزين الكثير من الاعتبارات المهمة.
إن شعبنا العظيم يستحق إعلاما يليق به. وسنسعى جاهدين للوفاء بهذا الوعد.(الغد)