تزايد الانخراط العسكري الروسي في الحرب السورية إلى جانب الرئيس بشار الأسد يثير تساؤلات كثيرة عند الشعوب والأنظمة العربية أبرزها الآتي: هل سيقتصر التزايد على الساحل الغربي أم سيتوسّع بحيث يشمل دمشق وريفها المتصل جغرافياً بالأرض اللبنانية؟ وهل حصل تزايد التدخل على ضوء أخضر أو أصفر من الإدارة الأميركية؟ وهل تقبل أميركا أن يتوسَّع الانتشار العسكري الروسي في الداخل السوري؟ وهل يؤدي ذلك في النهاية إلى تعاون روسي – أميركي عسكري ضد “داعش” والتنظيمات الارهابية؟ أم يفتح الطريق أمام تحوّل الخلافات بين موسكو وواشنطن، حرباً باردة ثم حرباً عسكريّة، ولكن بالوكالة، تكون سوريا ساحتها الأولى مع احتمال انتقالها إلى ساحات أخرى؟
هل من أجوبة عن هذه الأسئلة؟
تسمح المعلومات والمعطيات الواردة من واشنطن وعواصم أخرى معنية بمحاولة إعطاء أجوبة، وإن غير جازمة، لأن مضمونها يتعلّق بأحداث لا تزال جارية وبمشاورات واتصالات بين الأخصام الخارجيين لم تصل بعد إلى خواتيمها. وأبرز الأجوبة هي الآتية:
1- قد يكون محتملاً أن يشمل بوتين “بنعمته” العسكرية دمشق لإبقاء الأسد ضرورة لمفاوضات التسوية السياسية وربما لإبقاء نظامه. ودافعه سيكون جنون العظمة الذي يتملّكه. لكنه، وفي رأي من يعرفونه وتعاملوا معه، ليس غبياً كي يقترف خطأ استراتيجياً كهذا. ذلك أنه يعرف أن تمكين الأسد من البقاء في دمشق وتأمين تواصلها الجغرافي مع “الكانتون” العلوي سيعرِّض بلاده وجيشها لحرب استنزاف قاسية ستكون نهايتها شبيهة بنهاية الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. ويعرف أيضاً أن الدول العربية والإسلامية، وغالبية مواطنيها سنّة، ستنخرط في حرب جهادية ضدّه. ويعرف ثالثاً أن أميركا “المتساهلة” ربما حيال تورّطه المباشر في المنطقة العلوية، لن تقبل توسيعاً له في اتجاه دمشق. ولن تقبل استمراره في “الكانتون” إذا لم تتوصل معه إلى تفاهم يقود إلى تسوية تطيح الأسد وتقضي على الإرهاب في وقت واحد. وينبع رفضها من عوامل عدة أهمها أن التساهل مع بوتين في سوريا يعرّض مستقبلاً الأردن ولبنان، وخصوصاً في ظل تحالفه مع إيران في المنطقة، كما يعرّض إسرائيل لخطر كبير، ويسمح لطهران بمتابعة تنفيذ مشروعها الإقليمي المعروف، بعد عودتها “مظفّرة” إلى المجتمع الدولي. وطبيعي في حال كهذه أن تنشب الحرب بين روسيا (مباشرة) وأميركا (بالوكالة وربما بالأصالة).
2- لا يعتقد عارفون لبوتين وتردّي الأوضاع الاقتصادية لبلاده انه سيذهب إلى حرب مع أميركا. فروسيا خسرت بسبب النفط 250 مليار دولار أميركي حتى الآن. وتورّطه العسكري سيخسِّرها أكثر وخصوصاً أن كلفته اليومية ستكون بعشرات ملايين الدولارات. فهل تستطيع إيران تعويضه إياها؟ لكنهم يظنون أنه سيدعو من منبر الأمم المتحدة قريباً أميركا بل العالم إلى التحالف الفعلي لمحاربة الارهاب الإسلامي ودحره، وربما يبدي استعداد بلاده لإرسال قوات بريّة في مقابل أن يتولى “التحالف الدولي ضد الإرهاب” الذي تقوده أميركا الحرب الجوية. لكن ردود الفعل المرجّحة على دعوته قد لا تكون كما يتمنى، لأن الغرب كلّه والعرب كلّهم رغم التفاوت في حدة مواقفهم من نظام سوريا يصرّون على هدف مزدوج هو التخلص من الأسد وضرب الإرهاب. ولا يبدو أنه يقبل ذلك وربما بسبب رفض حليفته إيران.
في النهاية يعتقد عدد من الذين يعرفون أميركا أن وزير خارجيتها جون كيري يدفع في اتجاه “التحالف” أو التعاون الروسي – الأميركي في سوريا لأنه يريد مثل رئيسه إنجازاً تاريخياً يسجَّل له. لكن آخرين يقولون إنه حقَّق إنجازاً تاريخياً بعمله الدؤوب الذي جعل الاتفاق النووي مع إيران حقيقة. ولذلك يستبعدون أن يكون ساعياً إلى مجد شخصي الآن. ويقولون أيضاً إن أوباما ورغم بطء قراراته أذكى من أن يُجرّ إلى حرب لا يريد خوضها خصوصاً أنه تعهّد عدم إرسال قوات برية إلى الشرق الأوسط. إلا أنهم يقولون أخيراً إن اتفاق روسيا – أميركا على حملة برية عسكرية تستأصل “داعش” من سوريا والعراق، كما ورد في “الموقف” قبل أيام لا يزال ممكناً. لكن إنجازه يحتاج إلى وقت طويل وترجمته العملية ربما تحتاج إلى انتظار رئيس أميركي جديد.