نحن شعوب الخِيَم وقوارب الموت، لمَنْ نترك الشرق الأوسط «الجديد»؟ هل يعرف الجواب باراك أوباما المنشغل بحفلات البيت الأبيض، بعد اطمئنانه إلى كسر معارضة «المشاغبين» في الكونغرس الاتفاق النووي مع إيران؟ هل يدرك الجواب فلاديمير بوتين النائم على حرير الانتقام من عقوبات الغرب، الشامت بالأوروبيين القلقين من طوفان اللاجئين السوريين؟
شرق أوسط بلا عرب؟ هل يكون نهاية للحرب العالمية التي يخوضها الروس والإيرانيون والأتراك والأميركيون و«الأطلسيون» و«داعش» وأبناء «القاعدة»… كل على طريقته وبوسائله؟
بعد ربع مليون قتيل في سورية، يصرّ الكرملين على إعادة تأهيل آلة الحرب الوحشية في يد نظام ما زال مقتنعاً بإنقاذ نفسه، ولو بيعت سورية للروس والإيرانيين. هم يكفلون الترويج لبقائه وتعويمه شريكاً في الحل… رغم كل المجازر. مع ذلك، يوهمنا الإيرانيون بأنهم لا يريدون إلا السلام، وهو لوقف القتل يفرض- في معزوفة علنية- شراكة وطيدة مع القاتل، ما دامت الأولوية وقف بطش «داعش» وفظائعه. مَنْ يقرأ تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني ونصائحه للأوروبيين، لا يستخلص سوى السخرية من كل التضحيات التي قدّمها الشعب السوري ثمناً لحريته. في الظاهر، يرأف به، فيما يجدد شرايين القاتل.
للقاتل وجهان معروفان، وأي ترف يريده السوريون الآن في البحث عن الديموقراطية؟ ألم يتعلّموا درس البراميل؟ الأولوية الآن لوقف القتل، يقول روحاني ويتجاهل ان إيران وليست جزر القمر هي التي زوّدت النظام السوري كل ما يلزم ليواصل حرب الدمار الشامل. وإذ يشير إلى انفتاح على التعاون مع الأوروبيين لإيجاد حلٍّ منتهزاً ضغط طوفان اللاجئين على القارة «العجوز»، يكمل المرشد علي خامنئي ان لا تفاوض مع الأميركي في الملفات الإقليمية.
شرق أوسط بلا عرب؟… من ليبيا إلى سورية والعراق، مشرّدون ونازحون ولاجئون، أدركوا أن المتناحرين على السلطة والمتصارعين على النفوذ، لا يطيقون رؤية الخِيَم. فيها احتمالات البطش كثيرة. في الشرق الأوسط «الجديد» كتل بشرية لن تبقى في مناطقها وأقاليمها، لذلك لا تتوقف رحلات المشرّدين عبر البحر المتوسط.
حلم السوري والليبي والعراقي التائه بين الحدود الضائعة وبحور مهرّبي البشر، هو الخروج من جحيم الوطن … في حرب عالمية- عربية كل شيء فيها مباح. مِنْ صورها البائسة ان يجعل أوباما الأولوية لقتال «داعش»، فيما يترك السوريين لمصيرهم وغارات البراميل المتفجّرة. ولكن، ما العلاقة بين قتل بالذبح والتفجير، وآخر بالإبادة؟
ومن قذارة الحرب أن يضع بوتين قواته في حال تأهب متحدّياً الحلف الأطلسي بجسر جوي مصغّر، لإنقاذ النظام السوري بقاعدة عسكرية في اللاذقية. ولكن، هل من الديبلوماسية أن يستغل الكرملين انشغال الرئيس الأميركي برحلاته واحتفالاته، ليفتح الأجواء السورية لطائراته؟ لعله لا يدرك ما وراء انزعاج واشنطن، وأنها فقط تخشى «مواجهة» مع الروس الذين يصرّون على أولوية مكافحة الإرهاب، كما يكافحه النظام في دمشق.
كلهم يقاتلون «داعش»، لكن غالبية الضحايا مدنيون، ضحايا للتنظيم والنظام ولحلفائه. المفارقة أن يجد بعض الساسة في طوفان اللاجئين واستمراره المرجّح، ما يقرّب «داعش» من الانتصار. صحيح ان تفريغ الأرض في الشرق الأوسط «الجديد»، سيتيح للتنظيم قدرة أكبر على ابتلاعها، لكن الصحيح أيضاً أن الاتحاد الأوروبي لم يجد في بداية الحرب على الشعب السوري، سبيلاً للحل سوى ممالأة الأميركي ومواجهة النظام بالبيانات والأسى… والانتظار.
واضح أن إدارة أوباما ليست في وارد خوض مواجهة عسكرية مع موسكو بسبب تعزيز ترسانة النظام السوري وإنقاذه، بالتالي لا رادع لروسيا في استكمال انتزاعها ورقة «تسوية» ما في سورية، بعد تعديلها ميزان القوى على الأرض. وإلى أن تعدل الوقائع، تفريغ المدن والقرى مستمر، ومعه الطوفان العراقي- السوري- الليبي- الـ…
شعوب بلا دول ولا خِيَم؟ إنه جحيم الشرق الأوسط.
زهير قصيباني/شرق أوسط بلا عرب؟
23
المقالة السابقة