عروبة الإخباري – في حفل شهد حضوراً حاشداً شاركت فيه شخصيات فكرية وكُتاب وإعلاميون ودبلوماسيون، أشهر منتدى الفكر العربي في مقره، مساء الأربعاء 9/9/2015، كتاب “مذكرات حسن سعيد الكرمي (1905-2007) في الحياة والثقافة العربية”، الذي رعى المنتدى إصداره مؤخراً.
وتحدث في الحفل، الذي أداره وافتتحه بكلمة تقديم د. محمد أبو حمور الأمين العام للمنتدى، كل من: أ.د. صلاح جرار أستاذ الأدب العربي في الجامعة الأردنية، و أ. عبدالله كنعان الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس، و أ.د. سعد أبو دية أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، والسيدة سهام حسن الكرمي، التي قامت بإعداد المذكرات وتحريرها بالاشتراك مع أ. كايد هاشم.
أشاد المتحدثون بما قدمه العلامة الراحل حسن الكرمي، الذي عاش مئة عام ونيف،من آثار في مجالات الفكر والأدب والإعلام والترجمة والتعريب والمعاجم. كما أشادوا برعاية المنتدى ورئيسه سمو الأمير الحسن بن طلال لذكرى الكرمي وإصدار بعض مؤلفاته المخطوطة، ومنها إضافة إلى المذكرات كتاب “قضايا في الفكر والتفكير عند العرب” عام 2012.
وقال د. محمد أبو حمور: إن سيرة الكرمي التي تصورها المذكرات من السير التي أغنت المشهد الفكري العربي الحديث والمعاصر، وجديرة بأن تقدم إلى أجيال الأمّة ومثقفيها، وأن هدف المنتدى من نشرها هو المساهمة في تعزيز التواصل الثقافي بين أجيالنا، وإغناء التجربة الحضارية والفكرية العربية بالأعمال المتميزة.
وأضاف أن هذه السيرة تنطوي على خلاصة رؤية لأبعاد مهمة في قضية الحفاظ على الهوية الثقافية. فقد انتقل الكرمي من وطنه فلسطين في أعقاب نكبة عام 1948 للعمل في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية، وعاش سنوات طويلة في لندن، ومع أثره الكبير في البرامج العربية لهذه الإذاعة ومنها برنامجه الأدبي الشهير (قول على قول)، استطاع أن يبلغ آفاقاً فكرية موسوعية مهمة وأن ينتج أعمالاً ذات قيمة كبيرة، تعددت بين المعاجم ودراسات في الفكر والتربية واللغة ونقد التراث وإصلاح المعجم العربي والترجمة والتعريب، مما يعد ثروة ثقافية تمثل إنساناً عربياً منتمياً إلى حضارته، ومتفتحاً على الثقافات الأخرى بروح العلم.
من جهته، تحدث أ.د. صلاح جرار عن أهمية المذكرات في الاقتراب من النماذج البشرية والاطلاع على مشاعرها وأحاسيسها وطرق تفكيرها، مما يمكن أن نجد في بعضه قدوة للأجيال في نضالها وصبرها وكفاحها وعصاميتها وأخلاقها، فضلاً عن البعد المتعلق بتاريخ الحياة الاجتماعية وما يطرأ عليها من تغيرات وتطورات، الذي قلما نجده في كتب التاريخ الرسمي. كما يستفاد من كتب المذكرات في سد ثغرات في التاريخ السياسي بما يكمل أحداثاً منقوصة، أو يزود القارىء والباحث بروايات جديدة، أو تفسيرات لبعض الأحداث والظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية الغامضة.
وأوضح د. جرار أن مذكرات الكرمي، التي تصنف ضمن مذكرات أهل العلم والأدب والثقافة والإعلام والتي كتبها خلال سنوات حياته الأخيرة، هي ذات فائدة ومتعة وتحث القارىء على الصبر والمثابرة، وتتسم لغتها بالبساطة والسلاسة والتكثيف والاختصار والخلو من الأساليب اللغوية العويصة والمعقدة، وإن مال كاتبها إلى الاختصار رغم تجربته الغنية زماناً ومكاناً، وتكشف عن شخصية نذرت نفسها ووقتها وجهدها للغة العربية والثقافة العربية، وامتازت بالصدق والأمانة والدقة والاعتدال وكرم الأخلاق وصدق الانتماء.
تناول أ. عبدالله كنعان في حديثه صوراً من العناية والاهتمام اللذين أولاهما سمو الأمير الحسن بن طلال لأستاذه الكرمي في حياته، والوفاء لذكراه، وأشار إلى فاتحة كتاب مذكرات الكرمي بقلم سموّه، وقال: إن هذه شيمة الأمير الحسن وفاءً وإخلاصاً ومحبة للوطن والأمة وأهل العلم؛ انطلاقاً من قيم وشيم الهاشميين. وذكر الزيارات التي كان يقوم بها سموه إلى منزل الكرمي بعمّان والسؤال والاطمئنان عن صحته وأحواله وأحوال أسرته دائماً، حيث كانت تربطهما صلة أخوة وصداقة.
كما تطرق كنعان إلى ذكريات حضوره بعض مجالس الكرمي، التي كان الكرمي يروي فيها أفكاره وخواطره بروح الشباب وخبرة الكهول وحكمة الفلاسفة. وقال: كان همّه المعرفة والغوص في محيطها الواسع، راضٍ بما قسمه الله له، زاهداً في مباهج الحياة ومسراتها، مدافعاً قوياً وعاملاً على رفع شأن اللغة العربية وحمايتها.
وألقى أ.د. سعد أبو دية في حديثه أضواءً على بعض أفكار الكرمي في مذكراته وغيرها من مؤلفاته؛ مشيراً إلى لمحات تاريخية ذكرها الكرمي عن حياته في فلسطين ومنها معاناة أحداث العنف بين العرب بعد عام 1936، واضطراب الأوضاع وانتشار الشائعات حتى بداية الحرب العالمية الثانيةً. كما تناول آراء الكرمي في ضرورة وجود تاريخ اجتماعي للعرب، وضعف القراءة،والانتباه إلى ألاعيب الفكر المدسوسة عبر وسائل الإعلام الدولية أحياناً على اعتبار أن الناس ليس لديهم الوقت ليمحصوا فيما تبثه، وكذلك في الترجمة والتعريب، وفي الفصحى والعامية، وغير ذلك من قضايا.
وأوضح د. أبو دية أن مشروع الكرمي كان يتركز على إنعاش اللغة العربية وتنويرها من الداخل إزاء مشكلة مواجهة طوفان المصطلحات والمفاهيم المستحدثة.
واستهلت السيدة سهام حسن الكرمي كلمتها بشكر سمو الأمير الحسن بن طلال على رعاية المنتدى لإصدار مذكرات والدها. وأشارت إلى ذكريات لم يدونها الكرمي في مذكراته، وإلى إنجازاته المعجمية التي استغرقت زمناً طويلاً من حياته وإنتاجه اللغوي، وكانت حصيلتها أكثر من ثمانية معاجم في اللغة الإنكليزية وما يقابلها في العربية على مستويات مختلفة، إضافة إلى معجمه في اللغة العربية (الهادي إلى لغة العرب)، الذي يعد أفضل ما أحرزه في حياته.
يشتمل كتاب المذكرات الذي أصدره المنتدى، وقدم له أمينه العام د. محمد أبو حمور، على قسمين: يشتمل الأول على عشرة فصول تروي سيرة الكرمي في نشأته بفلسطين ودراسته في دمشق والقدس، ومن ثم الهجرة إلى بريطانيا والعمل في هيئة الإذاعة البريطانية، ورحلاته الثقافية إلى العديد من البلدان العربية والإفريقية وغيرها، وفترة تقاعده، وتجاربة في القراءة والبحث والتأليف، إضافة إلى مجموعة من الصور تمثل مراحل مختلفة من حياته.
وفي القسم الثاني، الذي جاء بعنوان “سيرة حسن الكرمي وآثاره في مرآة المفكرين والأدباء”، والذي تتصدره كلمة سمو الأمير الحسن بن طلال في حفل تأبين الكرمي، كلمات وشهادات ودراساتلكُتّاب وأدباء ومؤرخين، هم: أ.د. عبد الكريم غرايبة، أ.د. عبد الكريم خليفة، فخري صالح، د. سمير مطاوع، مجدولين أبو الرب، هيا صالح، د. مصطفى محمد الفار، ياسين الجيلاني، كايد هاشم، سهام الكرمي.