جمعتني ندوة الشيخ سعود المريبض رجل الأعمال السعودي المرموق التي عقدت في جامعة آستر البريطانية، بثلة من طلبة وطالبات دول مجلس التعاون الخليجي، الذين كانوا هدف منتدى الشيخ المريبض، ودار بيننا حديث كاد لا ينتهي لولا ظروف سفري, كان موضوع الحوار مع رجال ونساء المستقبل (الطلبة والطالبات)، عن الخليج وهمومه. طرحت على أسئلة متعددة عن حال الخليج ومستقبله، وعن عاصفة الحزم وما أنجزت، وعن الدور الإيراني في الخليج والوطن العربي، وعن اللاجئين السوريين الذي يطرقون أبواب أوربا، وعن الإرهاب وأهواله، وعن العراق وانتفاضة الشعب العراقي هذا الشهر، وعن مصر والأردن وعلاقتهما بدول مجلس التعاون، وآخر سؤال هل نسي العرب القضية الفلسطينية؟
( 2 )
والحق أنني وجدت أن هؤلاء الطلاب بجنسيهم الذكر والأنثى ليسوا بعيدين عن حال أمتهم رغم بعدهم عن جغرافية الوطن العربي. كانوا في حالة تعطش لمعرفة تفاصيل ما يدور في وطنهم العربي كله، والخليج خاصة، كانوا يبحثون عن التفاصيل، والمساحة المخصصة لي في هذه الصفحة لا تسمح لي بتفاصيل تلك الحوارات.
(3 )
قلت في ردي الجامع لكل تلك التساؤلات: يا جيل المستقبل، إن أمتنا العربية ظلمت من فقهائها ومن الكثير من قادتها، ومن مفكريها، ومن الحركات الإسلامية جميعها، أمتنا يا جيل المستقبل، لا تستحق ذلك الظلم المميت والمذل، الذي يقود أمتنا إلى ما نعيشه اليوم، وكل تساؤلاتكم تعبر عن ذلك الحال، لكن لا تهنوا ولا تقلقوا، أمتنا تسقط لتقف من جديد، تتعثر بها الخطى لكن سرعان ما تتغلب على عثراتها، وتاريخنا يشهد على ذلك. الشعب العراقي والسوري والمصري واليمني أي ما يقارب من تعداد 200 مليون إنسان ظلموا من قبل حكامهم الذين لا يزيدون مع عصاباتهم عن 3000 شخص، وما نشاهده اليوم هو نتيجة لذلك الظلم غير المبرر.
أتساءل معكم، ماذا كان سيحدث لو استجاب بشار الأسد لمطالب شعبة في الإصلاح بكل معانيه، وفي كل حقوله عام 2011 ؟ هل سيتمرد عليه الشعب السوري العظيم؟ لكنه أصر على أن يحكم سورية بالحديد والنار، ولو أبيد الشعب السوري قتلا أو تهجيرا ويبقي هو في سدة الحكم، مع من أعانه على تدمير سورية الحبيبة تدميرا ممنهجا تحت ذريعة محاربة الإرهاب. ماذا كان سيحدث لو ترك العسكر في مصر للرئيس المنتخب من قبل الشعب الدكتور محمد مرسي يحكم مصر أربع سنوات ثم يزاح بالطريقة ذاتها التي أتى بها، ألا يجنب مصر الفتن التي تجتاحها اليوم؟ وماذا كان سيحدث في اليمن لو استفاد على عبد الله صالح من الحصانة التي منحها له مجلس التعاون الخليجي والحكومة اليمنية، ولم يجر البلاد إلى الكارثة التي يعيشها الشعب اليمني اليوم؟ وما حلَ بالعراق العظيم في عهد الفاسدين البغاة، بقيادة نوري المالكي وحزبه الظالم، ومن بعده العبادي ابن حزب الفاسدين الطغاة حزب الدعوة.
في عهد حزب الدعوة نهبت ثروات العراق وأمعنوا في ترسيخ جذور الطائفية (المالكي يقول: القبلة كربلاء، وجيش الحسين يحارب جيش يزيد) قتل وشرد من الشعب العراقي تحت حكم حزب الدعوة أكثر من الذين قضوا منذ قيام الثورة العراقية عام 1958. وقتل في ظل حكم بشار الأسد أكثر من الذين قتلوا في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وقتل من الشعب اليمني في الجنوب، في ظل طغيان على عبد الله صالح وأحقاده أكثر من الذين قتلوا على يد الاستعمار البريطاني، وفي مصر عدد القتلى على يد نظام المشير السيسي أكثر من الذين قتلوا في الحروب مع إسرائيل.
هذا ما قصدته بظلم أمتنا على يد هؤلاء الحكام.
(4 )
بعض الفقهاء أمعن في ظلم الأمة العربية عن طريق تأييد الحكام الطغاة كما أسلفنا، فتوى دينية تمكن الحاكم الظالم من الاستمرار في ظلمه وقهره للأمة، والمجال لا يسمح باستعراض الفتاوى تلك لكن يمكن الرجوع إليها تحت اسم كل دولة على انفراد، وهي معلومات متاحه للجميع. لم نسمع فقيها دينيا وقف في وجه حاكم طغى على شعبه وتجبر وأفتى بجواز خلعه ومحاكمته.
التنظيمات الإسلامية بكل مدارسها الفقهية ظلمت الأمة، وراحت توغل في العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية ولو بقوة السلاح، البعض غايته أن يحكم بالاستيلاء على السلطة، والنموذج الشيعة في العراق، والعلويون في سورية، والبعض يريد العودة بنا إلى صدر الإسلام أي إلى ما قبل 1436 سنة، وكأنهم لا يعرفون أن ذلك أمر مستحيل لتغيير مقومات العصر الحديث، نسيت أو تناست هذه الفيئة من الإسلاميين، أن إسلام مكة وآياته البينات تختلف عن إسلام أهل المدينة وآياته البينات وما علينا اليوم إلا اتباع إسلام أهل المدين.
أمّا دور المثقفين العرب، فإن ظلمهم لا يقل عن ظلم الفقهاء، راح بعضهم يشدٌ من أزر الحكام الطغاة وينظرون لجرائمهم.
أقرب مثل لذلك الرهط من المثقفين الذين ما برحوا يدافعون عن النظام القائم في دمشق تحت حجة “الممانعة والمقاومة” فأي ممانعة يقصدون وأي مقاومة. إنه رهط من مثقفين للإيجار أي لمن دفع الثمن؟
( 5 )
أخيرا يا شباب المستقبل، أمتنا تتعرض لأخطار رهيبة، وعلينا مواجهة تلك الأخطار بالعلم والوحدة والتصدي للشائعات، كما حدثكم الشيخ المريبض، وهناك بارقة أمل تقودها وتنير طريقها “عاصفة الحزم” التي أذن بها الملك سلمان آل سعود وبدأت في اليمن، والله ناصرنا على كل الطغاة المستبدين الفاسدين