لم يتعرض شعب عربي في العصر الحديث إلى مأساة كالتي تعرض لها الشعب السوري إلا الشعب الفلسطيني بالطبع، فالمجرم الدموي بشار الأسد يغتال الشعب السوري جهارا نهارا في رابعة النهار وأمام عدسات الكاميرات من كل الدنيا، ويتم اغتصابه وتهجيره من دياره إلى كل أصقاع الدنيا.
مسألة طرد نصف الشعب السوري من سوريا إلى خارجها، جريمة تاريخية تتجاوز في عسفها وظلمها أي جريمة ارتكبت بحق أي شعب من الشعوب، باستثناء الشعوب التي تم إبادتها بالكامل، مثل سكان أمريكا الأصليين “الهنود الحمر” وسكان استراليا، الذين أبادتهم القوى الأوروبية إبان استعمارها “للعالم الجديد”. والشعب الفلسطيني الذي تعرض لعملية اقتلاع مشابهة للشعب السوري، ولكن الفلسطينيين اقتلعوا بأيد غربية في حين اقتلع الشعب السوري بأيد طائفية حاقدة.
فنظام بشار الأسد الإرهابي الدموي الطائفي البعثي طرد 11 مليون سوري، وشردهم في العالم، حتى ماتوا في أعماق البحر الأبيض المتوسط الذي تحول إلى “مقبرة”، وفي الشاحنات على الطرق، أو ماتوا في متاهات النسيان، حيث لا يراهم ولا يذكرهم أحد.
هؤلاء السوريون المنسيون وصلوا حتى إلى القطب الشمالي وعبروا الحدود بين روسيا والنرويج على بعد أربعة ألاف كيلومتر عن دمشق، حيث تتدنى درجة الحرارة إلى ما دون 15 تحت الصفر، في منطقة كانت يوما من خطوط التماس بين الاتحاد السوفياتي السابق وحلف شمالي الأطلسي خلال الحرب الباردة.
وإذا كانت المفارقات تلعب دورا في السخرية السوداء، فإن عبور هذه الحدود لا يسمح به إلا باستخدام الدراجات، فالمشاة ممنوعون من العبور، وهذا ما دفع المهاجرين السوريين استخدام الدراجات لعبور الحدود من روسيا إلى النروج في منطقة يجمد فيها البرد الدم في العروق، وفي رحلة يحفها الظلم والموت من كل جانب.
ما يتعرض له الشعب السوري إقلاع وتهجير وتشريد “عار” على الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج، فهؤلاء السوريون، عرب ومسلمون، وهم جزء من أمة لا تتوقف عن التفاخر بأنها توفر ملاذا لمن يلجأ إليها، وتأوي الضعيف وتقري الضيف، وتحمي الجار، وتغيث اللهفان، يحتل “حاتم الطائي” فيها مكانة وضعته في مصاف “الأولياء والقديسين” لكرمه الذي تجاوز كل الحدود حتى بات اسمه يقرن مع الكرم ليقال “كرم حاتمي”.
لكن وعلى ما يبدو أن أمة “حاتم الطائي” فقدت صلتها بها، وباتت تتنكر له، فالسوري ومن قبله الفلسطيني بالطبع، يستطيع أن يذهب إلى القطب الشمالي، أو تشيلي والبرازيل والأكوادور في أمريكا اللاتينية، على بعد 10 آلاف كيلومتر، لكنه لا يستطيع أن يعبر الحدود إلى “دولة عربية شقيقة”.
على الأمة العربية أن تقف أمام مسؤولياتها التاريخية بوقف إبادة الشعب السوري، الذي يتعرض لإبادة جماعية، فالتاريخ لن يرحم العرب أبدا، وسيسجل بسطور مكللة بالسواد، أنهم تركوا شعبا بأكمله للقتل والإبادة بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والغازات السامة، والأسلحة المحرمة دوليا، الفراغية والعنقودية والانشطارية، وتركوا إخوانهم في الدين والعروبة والجيرة ليموتوا غرقا وخنقا وشنقا.
الغرب لا يهمه إلا أن يبعد هؤلاء اللاجئين عن أرضه، وأن يتخلص من قلقهم وجوعهم وحزنهم وألمهم، وألا يعكر صفو حياتهم، ولا يهمه لو ماتوا جميعا بيد الأسد أو بأيدي وحوش الأرض، فالغرب بلا أخلاق لأن أخلاقه استهلاكية تجارية حسب مقتضيات الحال، وهذا يوجب على العرب التدخل لوقف الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري، ووقف المجرم الإرهابي بشار الأسد وحلفائه من إيران والعراق وحزب الله، وتقديم الأسلحة النوعية للثوار السوريين لمساعدتهم على حسم المعركة ضد هذا الإجرام التاريخي الحاقد.
سمير حجاوي/إنقاذ السوريين مسؤولية عربية
16
المقالة السابقة