الاجتماع الذي عقدته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مساء يوم السبت الماضي في رام الله، جاء كما كان مخططاً له من حيث النتائج المتوقعة؛ إذ أسفر عن تحقيق هدف جزئي وحيد، كان رغم إلحاحيته الشديدة متعذراً، ونعني بذلك تلبية شروط الدعوة لعقد اجتماع طارئ للمجلس الوطني، وفق القواعد المنصوص عليها في ميثاق المنظمة، لإعادة انتخاب لجنة تنفيذية أكثر حيوية، وأوسع شرعية من اللجنة الحالية التي أكل عليها الدهر وشبع.
لو كانت الظروف الذاتية الفلسطينية مواتية أكثر، للقيام بما هو أشد أهمية من تجديد شرعية اللجنة الطاعنة في السن، لطالبنا بإعادة بناء الأرضية التمثيلية للمنظمة؛ أي تجديد بنية المجلس الوطني، وتحديث الميثاق، ومراجعة الأسس والمفاهيم والغايات التي أملتها متطلبات زمن فلسطيني مر عليه نحو نصف قرن، استكمل فيها الكفاح الفلسطيني جل استحقاقات مرحلة التحرر الوطني، وشارف على الدخول إلى أعتاب مرحلة الاستقلال، ثم وقع في حالة مراوحة مديدة، ليس بفعل الاحتلال وحده، وإنما جراء المزايدات والإخفاقات، ناهيك عن الترهل الذاتي وسوء الأداء والانقسام أيضا.
وعليه، فإن عملية تجديد نصاب اللجنة تنفيذية في ظل هذه الحالة الفلسطينية المؤسفة، لا تعد نقلة فارقة، ولا تشير إلى مرحلة تأسيسية جديدة في الحياة السياسية الراهنة. إلا أنها يمكن أن تشكل خطوة تكاد تكون نوعية، في إطار الاستجابة الموضوعية لتحديات مرحلة تغيرت فيها المعطيات التاريخية، وتبدلت في غضونها موازين القوى الداخلية، واستجدت عبر عقودها الماضية حقائق جديدة، ووقائع مكانية وزمانية حاكمة، ليس أقلها وجود حاضنة اجتماعية للمنظمة والحكومة والسلطة الوطنية، على أول أرض فلسطينية متاحة.
كما يمكن لهذه الخطوة المهمة في حد ذاتها، أن تُحدث اختراقاً ما، في مكان ما من الجدار الشاهق، أو قل حالة الاستعصاء وعدم الفعل، بما تفضي إليه هذه الحالة من ضعف بنيوي وتآكل، وما تشيعه من قلق وإحباط، ناهيك عن فقدان الحس بالمسؤولية، والافتقار لروح المبادأة. وهي مسائل يمكن لقيادة أكثر شباباً ورشاقة، وأقل استجابة لمنطق المحاصصة الفصائلية، أن تنهض بها على نحو أرفع كفاءة من قيادة شاخت، وتكلست مفاصلها، حتى لا نقول (مع الاحترام) جفت الدماء في عروقها.
وأحسب أن النخبة السياسية الفلسطينية، التي تتوجس من كل تغيير محتمل، مهما كان ضئيلاً، وتخشى عقابيل كل تحرك طفيف، نظراً لجسامة المخاطر المحدقة، هي اليوم في أمسّ الحاجة إلى هجر ثقافة “مكانك سر”، والكف عن التعلل بشتى الذرائع لتأبيد الواقع، والتعالي على ما يغص به من مظاهر سلبية، وظواهر تشي باحتمال الانهيار الشامل. إذ يمكن لتجديد قيادة المنظمة، وهي الحكومة الفلسطينية صاحبة الولاية العامة، أن تحرك المياه الراكدة في البركة السياسية الحبيسة، وأن تفضي في نهاية مطاف قصير إلى خلق تفاعلات إيجابية، أقلها وقف التدهور المتسارع في شرعية التمثيل والمرجعية.
ولا نود أن نقيم قصوراً من الرمل على أساس هذه الخطوة المحسوبة، التي حالت قوة الجمود وتضارب المصالح الشخصية والفئوية دون إنفاذها مدة طويلة، غير أنها تظل خطوة صحيحة في الاتجاه الصحيح، يمكن لتداعياتها المنشودة في المدى القريب، أن تطلق حراكاً داخلياً نشطاً، يرفع من درجة الثقة بالنفس، ويزيد من أهلية المؤسسة القيادية لمواصلة المقاومة بكل أشكالها المشروعة، مع الاحتلال المتمادي في استهتاره وارهابه واستيطانه، وهي أمور لا تود أن تراها قوى متربصة في الداخل والخارج.
ولما كانت عملية السلام المتعثرة قد دخلت في حالة موت سريري، وآل الانقسام الداخلي إلى واقع انفصال يلهث أصحابه وراء خيط دخان الإمارة الإسلامية في القطاع المحاصر، وأمعن سدنة الميثاق الوطني بتقديس النص ككتاب منزل، وتعلقوا بعجلة الزمن لوقف دورانها في ربع الساعة الأخير، فإن اللجنة التنفيذية العتيدة في ثوبها الجديد، مطالبة بتنفيذ حزمة إصلاحات داخلية من دون الالتفات إلى الوراء، لترميم البيت الوطني، وتعزيز عناصر الصمود والمقاومة، وتجويد آليات المقاطعة، وتفعيل المنظمات الشعبية، ورفع وتيرة الاشتباك مع حكومة المستوطنين؛ على الأرض أولاً، وفي المجالين الدبلوماسي والحقوقي ثانياً. ولا بأس من الإعداد لمؤتمر وطني فلسطيني جديد، برؤية جديدة.