وضعت الأزمة السورية المُشتعلة، التجمع الفلسطيني اللاجئ في سوريا أمام أوضاع صعبة للغاية من كافة النواحي خصوصًا بعد حالة التشرد التي أصابت أكثر (75%) مجموع هذا التجمع البالغ نحو (520) ألف لاجئ فلسطيني مُسجل في سوريا، وفق بيانات وكالة الأونروا والمعطيات الصادرة عن الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية السورية حتى نهاية 2014، يُضاف لهم نحو (150) ألف فلسطيني من حملة الوثيقة المصرية والعراقية واللبنانية وحملة الجواز الأردني وجواز السلطة ومعهم الذين لا يحملون أي أوراق ثبوتية.
فقد أصاب التشرد كامل سكان مخيمات: اليرموك وسبينه وحندرات ودرعا، وأصاب بشكلٍ جزئي باقي المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، في حين تعيش بعضًا من تلك التجمعات حالة من القلق والتوتر في ظل الأزمة السورية، وفي ظل المحاولات المستميتة لزج الفلسطينيين بنيران الأزمة الداخلية ومنها مخيمات: النيرب قرب مدينة حلب، ومخيم خان الشيح في ريف دمشق الغربي، ومخيم خان دنون في ريف دمشق الجنوبي. وما زالت غالبية لاجئي فلسطين وتحديدًا من أبناء مخيم اليرموك خارج حدود المخيم في مناطق شتات جديدة داخل سوريا وحتى خارجها في لبنان ومصر وتركيا وغيرها من البلدان. فيما تلوح بالأفق مؤشرات قوية تشي بوجود مشاريع إعادة تهجير أعدادٍ منهم لعددٍ من الدول في أصقاع المعمورة ومنها أستراليا ونيوزلندا وكندا والدول الإسكندنافية وغيرها من البلدان، في سياق ما يجري منذ سنوات طويلة لشطب حق العودة وإنهاء الوجود الفلسطيني الكبير نسبيًّا في دول الطوق كسوريا ولبنان. ومن بين المؤشرات المذكورة نلحظ قبول بعض السفارات الغربية في عدد من البلدان طلبات الهجرة من فلسطينيي سوريا وهو أمر كانت تلك السفارات ترفضه رفضًا قاطعًا في الماضي البعيد والقريب. فسفارة أستراليا في بيروت قبلت طلبات الهجرة وما زال المئات من أبناء فلسطينيي سوريا ينتظرون الموافقة النهائية عليها.
الحالة العامة لأزمة فلسطينيي سوريا تَطرَح العديد من الأسئلة والتساؤلات المُتعلقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين عمومًا، واللاجئين الفلسطينيين في سوريا خصوصًا. ففلسطينيو سوريا كانوا الأكثر استقرارًا وأمنًا في إقامتهم المؤقتة من بين فلسطينيي الشتات، في ظل بلد عاشوا وما زالوا فيه في ظل مساواة تامة بالحقوق والواجبات تقريبًا بينهم وبين المواطن السوري، وذلك منذ لجوئهم القسري لسوريا عام النكبة 1948. وكانوا على الدوام مخلصين لهذا البلد قولًا وعملًا ومدافعين أشداء عنه، حيث شاركوا بكل معارك سوريا الوطنية، كما شاركوا في تنمية البلاد بمختلف الجوانب.
لقد كانت الأزمة السورية قد تعدت منذ شهورها الأولى الحالة الداخلية لتدخل في متاهات إقليمية ودولية، وهو أمر زاد منذ ذلك الوقت من مستويات القلق عند عموم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين منذ العام 1948 فوق الأرض السورية. خصوصًا مع الاستهداف المباشر لتجمعاتهم السكانية، ومنها التجمع الكبير المسمى بمخيم اليرموك، وهو أكبر تجمع مدني فلسطيني خارج حدود فلسطين التاريخية.
ولأول مرة، ومنذ عقود النكبة، بدا القلق، سيد الموقف عند عموم فلسطينيي سوريا، الذين لم يمروا في تاريخ وجودهم في البلد بأزمة شبيهة بما يجري الآن، حيث بُذلت جهود محمومة من قبل أطراف مختلفة لزج الفلسطينيين في أتون نيران الأزمة السورية بدلًا من الموقف العاقل والداعي لوقف نيران الأزمة. فالاتجاه العام كان وما زال يُؤشر بأن الغالبية الساحقة من فلسطينيي سوريا، تحمل وتتبنى الموقف العاقل والمُتعقل والمُتزن في مسار الأزمة الداخلية السورية، وهو موقف نابع من دروس التجربة المريرة التي عاشها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية في الشتات، في أكثر من مكان في الطوق المحيط بفلسطين منذ نكبته الكبرى عام 1948. كما هو نابع من دورهم الإيجابي في الحياة العامة في سوريا منذ لجوئهم القسري عام 1948 حتى اللحظة الراهنة.
لقد شكّل سقوط مخيم اليرموك، وتشريد أهاليه ومواطنيه ونحو (250) ألفًا من سكانه نكبة جديدة، كان سببها الرئيس غياب حالة التوافق الوطني الفلسطيني، وغياب المرجعيات الوطنية الفلسطينية وغياب دورها وتأثيرها في الشارع، حيث التساؤلات المطروحة حول مستقبل فلسطينيي سوريا باتت الآن موضوعة على جدول الحوارات والنقاشات بين الفلسطينيين السوريين ذاتهم في ظل مناخ سياسي مُضطرب ومُتخم بالضابية في سوريا، حيث تتخذ الأزمة الداخلية في البلاد مسارًا لا يستطيع أحد أن يتنبأ بشكل قاطع بما ستؤول إليه الأمور نهاية المطاف بالرغم من موجات التفاؤل والأمل التي بدأت تَسطَع في الشهرين الأخيرين ومعها بشارات الأمل بالحل السياسي في سوريا الذي يحفظ العباد والناس ويصون سوريا ووحدتها الجغرافية والسكانية والوطنية.
من جانب آخر، وفي الواقع العملي، بات اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بلا مرجعية ملموسة منذ وقتٍ طويل، وقد تحللت وتقاعست، بعض الفصائل والقوى الفلسطينية الأساسية عن مسؤولياتها المطلوبة تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، الذين يعيشون الآن أوضاعًا صعبة نتيجة الانعكاسات العامة للأزمة الوطنية في سوريا عليهم وعلى أحوالهم من جوانبها كافة. إن دور القوى والفصائل الفلسطينية المتواجدة فوق الأرض السورية وعددها (15) فصيلًا، لم يكن على المستوى المطلوب، ولم يرتقِ حتى الآن نحو حجم التحديات التي واجهت وتواجه فلسطينيي سوريا.
الشارع الفلسطيني في سوريا يصرخ كل يوم متسائلًا عن دور تلك القوى في هذه الفترة بالذات حيث يعيش فلسطينيو سوريا لحظات حاسمة من تاريخ وجودهم المؤقت فوق الأرض السورية، فيما القلق يساور كل فرد منهم، بعد أن باتت الحالة الضبابية تسيطر على أوضاعهم بشكل عام وهي تحمل مؤشرات مخيفة لمستقبلهم في ظل تفاعلات الأزمة الداخلية السورية وتشظيها.
وعليه، وعلى ضوء تلك الصورة إياها، ضاعت المرجعية الفلسطينية المسؤولة في سوريا، وغاب معها الدور الجماعي التوافقي المسؤول، ليحل مكانه موقف الاجتهاد والتقرير من قبل بعض القوى دون غيرها عن المجموع العام.
علي بدوان/مرة ثانية عن فلسطينيي سوريا
13