تنفرد الانروا (منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) بأنها المؤسسة الدولية الوحيدة المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين على وجه التخصيص، لتقدم لهم خدمات التشغيل والتعليم و الصحة والمسكن والحماية الأساسية . في حين أن هناك هيئة أخرى تعنى بشؤون اللاجئين عموما هي المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR. ومنذ قيام الانروا بقرار من الأمم المتحدة عام 1950 وهي تقدم الخدمات المنوطة بها للاجئين الفلسطينيين وتحتفظ بسجلات ووثائق لهم ولعائلاتهم ولها مكاتب في خمس دول هي: الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا وجنيف. وقد أدت خلال الثلاثين سنة الأولى من عمرها خدمات قيمة للاجئين وخاصة في مجالي الصحة والتعليم إضافة إلى خدمات الإعاشة. ومع مطلع الثمانينيات بدأت خدمات الانروا بالتراجع، و مشاريعها بالتناقص بشكل ملفت للنظر.فتوقفت عن تقديم التعليم الثانوي وتقلصت الخدمات الصحية .وبالنسبة للاجئين في الأردن فقد تحملت الدولة الأردنية كامل الأعباء التي تخلت عنها الأنروا، انطلاقا من المسؤولية الوطنية والإنسانية.
وكان تبرير الأنروا لتقليص الخدمات أن الدول المانحة الملتزمة بتغطية موازنتها ،وهي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي و كندا والدول الإسكندنافية و بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي واليابان، لم تعد تمنح ما يكفي من الأموال و المخصصات على ضوء الزيادة في أعداد اللاجئين وانخفاض القيمة الشرائية للأموال نتيجة التضخم.
وفي منتصف التسعينيات بدأت حملة مركزة وحثيثة كانت إسرائيل وراءها ،لإلغاء الانروا والتخلص منها على طريق إنهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين و شطبهم من سجلات الأمم المتحدة، وإنهاء المعالم السياسية للقضية بكاملها، لكي تصبح مسألة إنسانية كغيرها من قضايا اللاجئين من مختلف دول العالم. و هذا يمثل الخط الإستراتيجي لإسرائيل إزاء اللاجئين . ودأبت إسرائيل على الضغط باتجاهات عديدة ومن خلال وكلاء عديدون لتقليص خدمات الأنروا تدريجيا حتى أصبحت بالكاد تغطي الحد الأدنى من الصحة والتعليم.و انخفض ما تنفقه على اللاجئين من 200 دولار لكل فرد عام 1975 إلى أقل من 95 دولار للفرد في عام 2012. هذا في حين يتعدى ما تنفقه الدولة الأردنية 450 دولار لكل فرد من اللاجئين على الأراضي الأردنية. ولأن ميزانية الانروا تعتمد على ما تدفعه الدول المانحة سنة بسنة وليس لها ميزانية خاصة كجزء من ميزانية الأمم المتحدة، فقد لاقى التوجه الإسرائيلي بتخفيض خدمات الانروا على طريق التخلص منها استجابة لدى العديد من الدول.
وفي عام 1999 تم عقد مؤتمر في سويسرا حضرته الدول المانحة ومندوبين عن الأمم المتحدة وشارك الأردن فيه بقوة ، رافضا فكرة تقليص الخدمات أو المساس بمسؤوليات الانروا، ومؤكدا على التزام الأمم المتحدة بدعم الانروا حتى تتم حل مشكلة اللاجئين سياسيا و إنسانيا وفق قرارات الأمم المتحدة. وحاولت بعض الدوائر الالتفاف على الموضوع واقترحت أن يتم تقديم خدمات الانروا من خلال شركات مقاولات، ورفض الأردن ذلك تماما، لان الانروا تمثل فصلا سياسيا في الموضوع الفلسطيني ولا يمكن اختزاله بخدمات هنا وهناك. علما بأن الأردن هو أكبر دولة مانحة للاجئين الفلسطينيين.
أن وجود و بقاء الانروا هي مسألة سياسية بامتياز ولا ينبغي لها أن تنتهي إلا بحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين سواء بالعودة أو التعويض. وعلى جميع الأقطار العربية أن تكون متنبهة إلى ما تحاول إسرائيل تمريره من إنهاء البعد السياسي الدولي للاجئين الفلسطينيين، وإنهاء المنظمة المعنية بهم ، الأنروا، بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة.و هنا يتعين أخذ الموضوع بكامل الجدية خاصة وأن المنطقة تمر بحالة بالغة التعقيد من الفوضى و الإنقسامات و الحروب الأهلية و التدخلات الأجنبية.
و هذه تشكل فرصة ذهبية لإسرائيل للإنقضاض بطريقة غير مباشرة على الأنروا لتقليص خدماتها إلى أدنى الحدود أو إلغاءها. و هذا يستدعي التحرك من مختلف الأقطار العربية منفردة، و مجتمعة من خلال الجامعة العربية للتواصل مع الدول المانحة و مع الأمانة العامة للأمم المتحدة لاستمرا دعم الوكالة .كما يتطلب الأمر تحرك البرلمانات العربية و اتحاد البرلمانات العربية للتواصل مع البرلمانات الدولية و أخذ تأييداتها في هذا الموضوع. و قبل كل شيء لا بد للجانب الفلسطيني أن يأخذ الموضوع بمنتهى الجدية و أن يعمل على المستوى الدولي الرسمي و على مستوى منظمات المجتمع المدني.
إن الجهود التي يبذلها الأردن في هذا الاتجاه كبيرة، ولكن مستقبل الأنروا في ظل الظروف العربية والدولية السائدة يتطلب إدراكا سياسيا عربيا لدعم تلك الجهود والإضافة إليها في إطار حد كاف من التنسيق .ش