اعتقلت إسرائيل، قبل فترة، المواطن الفلسطيني محمد علان. بسبب تأخر محاكمته وعدم إطلاق سراحه، وربما لأسباب أخرى، قام علان بالاضراب عن الطعام قبل 56 يوما، لحظة كتابة هذا المقال. وخوفا من وفاته قامت سلطات السجن بنقله الى مستشفى برزلاي، في عسقلان، لكي تتم تغذيته قسرا، في مخالفة صريحة للمواثيق الدولية. رفض مدير المستشفى، د. حيزي ليفي تلبية طلب السلطات الأمنية، وإجبار الأسير على تناول الطعام، وهو في كامل وعيه، فالقانون في إسرائيل ينص على إجبار المضرب عن الطعام على تلقي العلاج الطبي، متى ما فقد وعيه. وأعلنت منظمات الأطباء في إسرائيل رفضها إجبار علان على تلقي العلاج، حتى إن فقد وعيه، وأن للجنة أخلاق المهنة وحدها حق البت في الأمر! ولقي موقف الاطباء معارضة شديدة من وزير الامن، ولكن الأطباء (الإسرائيليين اليهود) لم يكترثوا باحتجاجاته.
لست معنيا كثيرا بالإشادة هنا بالطريقة «الحضارية» التي تعاملت بها مختلف الجهات في إسرائيل مع الأسير محمد علان، وغيره من الأسرى، فهذا تحصيل حاصل، ووصف «الحضارية» نسبي مقارنة بما يلقاه السجناء السياسيون في السجون العربية. ولكني معني أكثر برفض واحتجاج الجهات الطبية والإنسانية في اسرائيل فقط، بطريقة التعامل مع علان! وهو موقف لم نجد ما يماثله من اي دولة عربية أو منظمة طبية إسلامية، وكأن عالمنا نسي، أو تناسى كل ما يتعلق بفلسطين واهلها!
ولكن جميع شعوب دولنا، وجميع منظماتنا الطبية، وجمعيات حقوق الإنسان لدينا، صمتت صمت المقابر والقبور على ما تعرض له الفلسطيني محمد علان، وعلى كل القتل والتشريد العربي والإسلامي. ولكن هذه الشعوب لن تتردد بالتكشير عن انيابها، وتجييش التظاهرات الاحتجاجية الصاخبة في الطرقات، بعد قطعها، وحرق الإطارات والأعلام، ان تم التعرض لرموزها الطائفية، أو قام أحد بمجرد الاقتراب من لافتاتها الدينية، وسترتفع اصواتهم مزلزلة الأرض بصرخات «يا غيرة الدين» و«هيهات منا الذلة»، ولن نسكت عن الاعتداء على رموزنا الدينية، ومقدساتنا، وسنقطع رأس كل من يقول إن ديننا يدعو الى العنف!
نعم وحدهم أطباء وجمعيات إسرائيل التي دافعت عن حق محمد علان في أن يمتنع عن إطعامه قسرا. ووحدها إسرائيل التي لديها قانون يبيح لسلطاتها إطعام المضرب قسرا، إن فقد وعيه. ووحدها إسرائيل التي فيها من يهتم بإنسانيتنا ربما أكثر منا، فيا للخجل. ووحدها التي لديها منظمات أهلية تستطيع أن تقول للحكومة «لا»!
لست بطبيعة الحال في معرض الإشادة بأنظمة إسرائيل، بل ان نتعلم منها إن أردنا أن نحلم بالانتصار عليها، أن نتعلم منها أن الإنسان هو الأساس وليس امتلاك القوة النووية والنعل النجدية!