في يوم الجمعة أول أيام عيد الفطر المبارك المصادف 17 من شهر يوليو الماضي تعرض سوق شعبي في ناحية خان بني سعد من محافظة ديالي إلى انفجار هائل يقال بسيارة ملغمة بثلاثة أطنان من المتفجرات أوقع المئات مابين قتيل وجريح ومفقود، وهكذا اختلطت دماء أناس أبرياء وفاضت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها تشكو إلى الله سادية متوحشين وقتل عبثي دون وجه حق.
الذين قتلوا وجرحوا هم مواطنون عراقيون، رغم أن غالبيتهم من الشيعة لكن بينهم عدد غير قليل من العرب السنة، استهدفوا دون تمييز، رجالا ونساء وأطفالا، لابد أنهم خرجوا فرحين يتبضعون استعدادا للعيد لكن القدر كان لهم بالمرصاد وعادوا إلى بيوتهم محمولين على الأكتاف.. إنا لله وإنا إليه راجعون. هذا إلى جانب دمار هائل طال محال تجارية ومنازل قريبة وسيارات وممتلكات.. كلمة إرهاب ربما تتواضع أمام هذه الجريمة النكراء وإنزال القصاص حق فيمن نفذ ومول وخطط وأسهم وسهل، وجريمة بهذا العيار الثقيل تحتاج إلى زمن ليس بالقصير للتحري والتحقيق والتدقيق، لكن بكل أسف، لا الحكومة المركزية ولا الحكومات المحلية تتعلم الدرس لأنها ببساطة متلبسة بأحكام مسبقة، والذي جرى خلال 24 ساعة اتهم العرب السنة وألقي القبض على أستاذ جامعي وستة أفراد من جهاز الأمن ومعهم آخرون، بحكم التجربة نجزم أن لا علاقة لهم بالحادث من قريب أو بعيد، وتأكيدا لذلك أطلق سراح الأستاذ الجامعي بعد مرور عشرة أيام على احتجازه كما تم إخلاء سبيل أفراد عائلة نازحة من تكريت بينما تحفظت الأجهزة الأمنية على ثلاثة أفراد ساقهم حظهم العاثر أن يكونوا في الواجب في نقطة سيطرة الرحمة في وقت الهجوم. ليس من المعقول إنجاز التحقيق وتحديد هوية الجاني خلال هذه الفترة القصيرة للغاية من الزمن، لكن لا غرابة إذ في عراق اليوم ليس المطلوب تكريس العدالة بل العثور على ضحية وتلبيسه التهمة تهدئة للخواطر الثائرة من جهة وإبراز كفاءة أمنية زائفة من جهة أخرى، الاستعجال لا يحقق الوصول للعدالة، بل يحرف التحقيق نحو الخطأ في تحديد هوية الجناة والضحية في العادة أناس أبرياء بينما يترك الجناة الحقيقيون أحرارا ما يمهد لهم ارتكاب المزيد من الجرائم في المستقبل وهذا ما حصل ويحصل على الدوام.
الأجهزة الأمنية بالطبع ليست نشطة إلى هذا الحد عندما يكون الضحية من العرب السنة بل إنها تلتمس كل سبب من أجل إبقاء التحقيق بالجريمة مفتوحا إلى ما لا نهاية دون تحديد هوية المشتبه بهم حتى لو ارتكبت الجريمة تحت الشمس جهارا نهارا، الإبادة الجماعية في ناحية بروانة قضاء المقدادية حيث قتل 82 مواطنا من العرب السنة بالرصاص لم يكتمل التحقيق فيها رغم مرور ستة أشهر عليها حتى الآن!!
لا ينبغي التعويل كثيراً على مصداقية مواقع تنسب هذه الجرائم إلى هذه الجهة أو تلك، إذ بينما تشير دلائل أن الحادث كان مقصوداً ومدبراً، كما يحصل في العادة، فإن قتل عدد من المواطنين الشيعة يوفر الغطاء للمليشيات والأجهزة الأمنية للقيام بحملة تطهير جديدة ضحاياها من العرب السنة من سكنة ديالى وهم منكوبون أصلا، الحادث فرصة كان ينتظرها الصفويون وميليشياتهم التابعة لإيران ومنظمة بدر التي لها اليد الطولى وقد باشرت على الفور ومعها الأجهزة الأمنية المرتبطة بها أولا إلى طمس معالم الجريمة بسحب كاميرات الرقابة من مواقعها والتي كانت رصدت عبور السيارة الملغمة تمهيدا لحملة تطهير واسعة النطاق استهدفت قرى عديدة، كما خطف ومن ثم اغتيل داود الكرطاني مدير الناحية وأحرق ثلاثة شبان أحياء في المقدادية وأمطرت القرى السنية خصوصا قرية الحديد بسيل من قنابل الهاون مما أدى إلى استشهاد 14 مواطنا وجرح العديد، كما طال القصف قرى السيح والمرادية وعرب عبد الجبار.. ما دفع العوائل التي عادت لتوها للناحية للهجرة والنزوح مجددا ووصلت حتى الآن ما يزيد على 250عائلة لأبي غريب.
فصل جديد من مأساة يتعرض لها العرب السنة في العراق عموماً وديالي خصوصاً والعنوان دائماً “محاربة الإرهاب”، أما ممثلو العرب السنة في مجلس المحافظة، وممثلو المحافظة في الحكومة ومجلس النواب ولاسيَّما ممثلو كتلة “ديالي هويتنا” فتراهم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي بل البعض منهم يبارك للقتلة والسفاحين حملاتهم في التطهير المذهبي ويطلقون عليهم أفضل النعوت والأوصاف.. هزلت والله. ولم تعد مناشدتهم أو تذكيرهم مجدياً.. بل هم ليسوا جديرون بذلك، وعلى جمهورهم الذي أوصلهم إلى المناصب التي هم عليها أن يتبرأ منهم ويتذكر هذا الموقف المخزي مستقبلاً لاحتمال أن يتجرأ هؤلاء ويطرقوا الأبواب مجددا كما يفعلون في كل مرة التماسا لدعم أو استجداء الصوت.
ديالى مثلا، لكن مصاب العرب السنة في العراق عام وشامل، والحل ليس سهلا، والتحديات هائلة خارجية وداخلية ونفوذ دولة تناصب العداء للعراق بعد أن تحررت من ضغوط المجتمع الدولي مؤخرا بفضل الاتفاقية النووية باتت أكثر قدرة على تصدير الفوضى إقليميا واستهداف المزيد من العرب السنة، ناهيك عن مشاكل بنيوية لازالت تعصف بالبيت العربي السني، وفي ضوء ذلك كله يكمن الحل في ترتيب هذا البيت تمهيدا لتوحيد الرؤية والموقف وإعداد ملف التدويل برعاية عربية خليجية.
من المؤسف حقا هذا الصمت العربي والإسلامي إزاء استهداف العرب السنة في العراق، ولا ندري إن كان صمت العاجز الفاقد للإرادة رغم أن الكثير من عناصر القوة والرد في متناول يديه لو أراد..؟! أم هو شيء آخر.. بانتظار الإجابة.