يحاول “الرفيق” بشار الأسد أن يتذاكى، ويستخدم هوايته بإعطاء الدروس، واستعراض “عضلاته اللسانية”، كما كان يحاضر في الرؤساء والملوك والأمراء في القمم العربية التي شارك فيها، لكنه ومع عدم مشاركته في القمم العربية لجأ لممارسة هوايته داخل سوريا بطريقة “مدهشة”، فالرفيق الأسد، رئيس الجمهورية والرئيس “المقاوم والممانع”، والأمين القطري لحزب البعث “العلوي” الاشتراكي، وزعيم الطائفة العلوية، يعيد تعريف الأشياء بطريقته الخاصة، أو طريقة من يكتبون له خطاباته “الماراثونية”.
في آخر خطاب ألقاه “الرفيق”، أعلن إلغاء وجود الشعب السوري، وقال إن ” الوطن ليس لمن يسكن فيه وليس لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته الوطن هو لمن يدافع عنه ويحميه، والشعب الذي لا يدافع عن وطنه لا وطن له ولا يستحق أن يكون له وطن”، وهذا تعريف جديد في السياسة وعلم الاجتماع، لكنه تعريف ما أنزل الله به من سلطان.
ما يهم في هذه العبارة الخطيرة التي قالها الإرهابي بشار الأسد أنه ألغى وجود الشعب السوري، باستثناء القلة الذي يقاتلون معه، وهم من طائفته العلوية، وأضاف اليهم شيعة لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان الذي يقاتلون دفاعا عنه وعن نظامه، فهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم تعريفه للسوري.
الرفيق العلوي بشار الأسد جرد الشعب السوري من سوريته، ولهذا هجر نصف السوريين من ديارهم، وهجر ربع السوريين خارج سوريا، وهو بهذا يطبق نظريته بتفريغ سوريا من السوريين وإحلال “سوريين جدد”.. وهم الإيرانيون العراقيون واللبنانيون والباكستانيون والأفغان الذين اعترف بفضلهم ودبج لهم المديح، وما يربط بين جميع هؤلاء “السوريين الجدد” أنهم شيعة.
ما قاله المجرم الأسد يستدعي إلى الذاكرة مجرم الحرب المقتول الدكتاتور معمر القذافي الذي خاطب الشعب الليبي الذي ثار عليه: “من أنتم” واتهمهم بالإدمان على المخدرات، وحاصر المدن الليبية خاصة مصراتة، وحاول تدمير مدينة بنغازي على رؤوس من فيها، وكذلك ما قاله أتباع الانقلابي السيسي الذين نظموا الأغاني عن المصريين الثائرين ضد الانقلاب الأسود وجنرالاته وقال مطربهم المشؤوم:” انتوا شعب واحنا شعب.. الكم رب والنا رب”.. وبما أنهم يعتبرون أنفسهم “الشعب المصري” فهم يلغون الانتماء عن الآخرين لأنهم ينتمون إلى شعب آخر، وكذلك يعبدون ربا غير الذي يعبدونه.
من القذافي وعبد الله صالح إلى السيسي والأسد، ملة واحدة من الطغاة، فجميعهم والغون في الدم والقتل والإبادة واقصاء الآخر ماديا ومعنويا، وهم الذين “يسبغون النعم” على الشعوب، فالمواطن هو من يعتبرونه مواطنا، وإلا فإنه خارج الوطن والوطنية والانتماء، خاصة إذا طالب بالحرية والكرامة والعدالة، وهي المطالب التي يكفر بها هؤلاء.
ما يلفت الانتباه في خطاب الأسد “الماراثوني” والذي تجاوز 8 آلاف كلمة في 23 صفحة أنه خصص 8 فقرات كاملة لإيران ذكر فيها كلمة إيران 22 مرة، بكل تمجيد وتفخيم، وعدم ذكر العرب لجأ في وصفهم بـ”العربان”، ومن المعروف أن استخدام مصلح العربان في بلاد الشام يشير إلى “الدونية والتخلف”، بالإضافة إلى استخدام مصطلحات مثل “الخيانة” و “زبالة”.
خطاب الأسد “الماراثوني” يحتاج إلى أكثر من وقفة لدراسة باطن هذا الرجل، لأنه يؤسس ذهنيا من أجل تقسيم سوريا لإقامة “دولة علوية”.. فهو يطرح إما الانتصار على الثورة التي يسميها “إرهاب” وإلا فإن المحرقة قادمة في سوريا، على طريقة “الأسد أو لا أحد.. الأسد أو نحرق البلد”، وهنا يخاطب العلويين “إما أن ننتصر أو فانتظروا المحرقة”، وهي ذات العبارة التي قالها حسن نصر الله مخاطبا الشيعة في لبنان: “قاتلوا في سوريا أو سيقتل رجالكم وستسبى نساؤكم وستهجرون في الدنيا” معتبرا أن الحرب في سوريا “وجودية” كما اعتبرها الأسد “مصيرية”.
هذا هو ما ينطق به بشار الأسد ومن قبله حسن نصر، فالحرب ضد الشعب السوري وضد الثورة لا مجال فيها للقضاء على “الإرهابيين التكفيريين” وهم كل الشعب السوري، الذي يجري قتله لصالح “السوريين الجدد من شيعة إيران والعراق ولبنان وباكستان وأفغانستان”.