لم يتوقع أحد وصول الدين العام نسبة 81 % من الناتج المحلي الإجمالي، وبما يعد نسبة مرتفعة تحمل بين ثناياها الكثير من المخاطر.
ملف إدارة الدين هو الأسوأ في عهد الحكومة الحالية؛ إذ ارتفع بقيمة تقترب من خمسة مليارات دينار خلال عامين، متجاوزا في مجموعه 20 مليار دينار، وبحيث يبدو الاقتراض -مع المبالغة في الجباية- إحدى سمات وحتى هوايات هذه الحكومة، التي لم تقدّر مخاطر المبالغة في الاستدانة، بحيث زادت حصة الفرد من الدين بشكل جلي، متجاوزة 3000 دينار، بعد أن كانت تقدّر بنحو 2600 دينار للفرد في العام 2012.
وتتضاعف خطورة مؤشر الدين حين ندقق في توزيعه؛ بين دين داخلي وخارجي. إذ ركّزت الحكومة على الأخير، متجاهلة كل التبعات السلبية لذلك، مع ضعف قدرة الحكومة على تجنب هذه التبعات، لا قدّر الله، في ظل السيناريوهات السيئة والخطيرة.
خلال الفترة من 2012-2014، تضاعف الدين الخارجي تقريبا، مرتفعا من 4.9 مليار دينار، إلى ما يزيد على 8 مليارات دينار. وقد بررت الحكومة إقبالها على الاستدانة من المؤسسات الدولية بانخفاض نسب الفائدة.
الدين العام هو العنوان الرئيس لتقييم أداء الحكومة الاقتصادي؛ فمن خلاله يمكن قراءة نتائج النمو الاقتصادي الذي عانى هو الآخر من تراجع كبير، ولم يصل لمستويات مريحة تساعد الحكومة على الوفاء بوعودها بتحقيق التنمية المستدامة، والعدالة الاقتصادية.
ضعف الأداء الاقتصادي لحكومة د. عبدالله النسور لم يعد سرا، فالكل يتحدث عن هذا الجانب، باعتباره الخاصرة الضعيفة للحكومة، وبما يجعل تقييمها النهائي معتمدا بدرجة كبيرة على قدرتها على تحسين نوعية عملها الاقتصادي، وتسهيل مهمة القطاع الخاص الحقيقي، الذي يعوَّل عليه بدرجة كبيرة لتحقيق النمو المطلوب، وتوفير فرص العمل المنشودة.
وهذا معيار التقييم ذاته للحكومة ومصيرها لدى صانع القرار، بدرجة كبيرة؛ بقدرتها على إنجاز تحول ملموس في طريقة العمل، بحيث تقوم على برنامج واضح يعلَن للناس، متجاوزا كل المعيقات البيروقراطية، والأهم الابتعاد عن عقلية الجباية التي أتقنتها هذه الحكومة على مستوى القطاعات والأفراد.
زيارة جلالة الملك لدار رئاسة الوزراء، أول من أمس، ولقاؤه د. النسور دون فريقه كما حدث في مرات سابقة، حملت أكثر من رسالة. فهي، من ناحية، مؤشر على بقاء الحكومة، في رد على كل شائعات التغييرات الكبيرة التي تداولتها صالونات النخب في عمان، وبعض وسائل الإعلام. أما الرسالة الأهم، فهي التأكيد على معرفة الملك التامة بمشاكل الاقتصاد، كما البيئة الاستثمارية التي تعاني من تشوهات مختلفة، لدرجة صارت معها منفرة للقطاع الخاص والاستثمار عموماً.
الحكومة أيضا تدرك نقطة ضعفها، ولذلك اجتهدت خلال الفترة الماضية في التفكير بالقطاعات الاقتصادية؛ لاسيما السياحة والعقار. لكن يلزم القول إن كل ما تتخذه الحكومة من خطوات سيفقد قيمته إن هي فشلت في تغيير صورتها في عقل القطاع الخاص، وهذه مسألة من فئة “السهل الممتنع”.
حتى اليوم، ترتكز الحكومة في إدارة الشأن الاقتصادي على وصفات صندوق النقد الدولي. وتجديد برنامج التسهيل الائتماني مع “الصندوق” هو خريطة الطريق الاقتصادية المعتمدة لديها. لكن عليها إدراك أن صيغ “الصندوق” لن تنقذها أبدا من دون القطاع الخاص، فيما كل المؤشرات الرقمية التي تعتقد أنها تحققها لا تعني شيئا حين يطلب التقييم من هذا القطاع.
المطلوب خطة وطنية. ولا أعني خطة 2025 التي يبدو أن مصيرها لن يختلف عن خطط ومبادرات رسمية سابقة. بل يفترض وضع برنامج وطني يطبق بالتوازي مع برنامج “الصندوق” الدولي الذي لا يُعنى أبدا بملف التنمية والعدالة الاجتماعية، كما أن البطالة والفقر ليسا ضمن أولوياته.
يجهد د. النسور لإطالة عمر حكومته، والطريق لذلك الاقصاد ولا شيء غير ذلك.