إذا سمعت في قناة موالية لـ «الإخوان» أن أحكام الإعدام التي صدرت في حق أي من قادة الجماعة ستنفذ غداً أو في الأسبوع المقبل أو في الشهر المقبل فلا تصدق، فالأمر مجرد مناورة «إخوانية» وبكل تأكيد لن ينفذ أي حكم بالإعدام من تلك التي صدرت قبل سنة من الآن إن لم يكن سنتين! وعليك أن تدرك أن أي حكم منها لن يصبح نهائياً وواجبَ التنفيذ إلا بعد المرور بإجراءات تحتاج على الأقل إلى سنة كاملة وأن المعلومات المغلوطة عن تنفيذ الحكم ضد هذا القيادي أو ذاك في غضون أيام لا تختلف كثيراً عن المعلومات المغلوطة أيضاً عن أن الرئيس السابق محمد مرسي سيعود إلى القصر يوم الأحد المقبل، فقد اعتاد «الإخوان» الترويج لهذه المعلومات أحياناً إما لتحفيز أعضاء الجماعة ودفعهم إلى المشاركة في التظاهرات وأنشطة الجماعة، ليبدو للعالم أن مصر تغلي وأن معارضة نظام الحكم على أشدها وأن البلد يعاني عدم استقرار، أو في أحيان أخرى لرفع الروح المعنوية لأعضاء الجماعة وتحفيزهم بأن الفرج قريب وخداعهم بأنه لم يبق سوى قليل من الجهد حتى تعود الجماعة إلى السلطة وتعود مصر إلى حضن الجماعة!
صحيح أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يتعرض لضغوط شديدة من المصريين من أجل الإسراع في تنفيذ الأحكام في ضوء عمليات الإرهاب التي تحصد أرواح ضباط وأفراد الجيش والشرطة والمواطنين الأبرياء. وصحيح أن أسر وأهالي الشهداء مستاؤون من تأخر تنفيذ الأحكام ويطالبون بالاقتصاص من «الإخوان» وتنفيذ أحكام الإعدام في حق قادتهم بسرعة وينتقدون بطء إجراءات التقاضي. وصحيح أن تعديلات ستُجرى على قانون مكافحة الإرهاب تتضمن تشديداً للعقوبات وتسريعاً في الإجراءات، لكن النظام القضائي المصري لا يسمح بأي حال بتنفيذ أحكام الإعدام قبل أن يطعن المتهم على الحكم مرة واثنتين، ويحتاج الأمر إلى أكثر من سنة وقد يصل إلى ثلاث سنوات، حتى ولو كان المحكوم ضُبِطَ متلبساً واعترف بارتكابه الجريمة.
ما زال أمام مرسي ومحمد بديع وغيرهما من قادة الجماعة المحكومين بالإعدام فرصة اللجوء لمحكمة النقض للطعن على الحكم الأول، وعادة ما تقبل المحكمة الطعن في المرة الأولى لتمنح الطاعن فرصة محاكمة جديدة، وحتى إذا لم يطعن المحكوم أو دفاعه على الحكم فإن النيابة العامة وهي سلطة الادعاء نفسها تتولى الطعن لمصلحته، وبعد قبول الطعن تُجرى محاكمة المتهم من جديد أمام دائرة قضائية أخرى، غير تلك التي كانت تحاكمه في المرة الأولى، وإذا صدر ضده حكم جديد بالإعدام تكون لديه فرصة ثانية للطعن على الحكم أمام محكمة النقض، فإذا رفضت الطعن صار الحكم نهائياً واجب التنفيذ، أما إذا قبلت الطعن فتتولى المحكمة ذاتها إعادة المحاكمة من جديد ليكون حكمها هو النهائي ويتم التنفيذ بعدها. وبالطبع فإن «الإخوان» يعرفون جيداً هذه الضوابط لكنهم يستغلون جهل حلفائهم، أو قل تغاضيهم عن المعرفة، ويسوّقون ويروجون ويوزعون معلومات عن إعدام مرسي غداً، وبديع بعد غد، والبلتاجي الأربعاء المقبل، لأسباب سياسية تتعلق بأغراض الجماعة وخططها من أجل العودة إلى حكم مصر.
عموماً فإن نشاط «الإخوان» في الشارع هدأ كثيراً لأسباب عدة أهمها أن الجماعة أنهكت وتخلت عنها فئات من الشعب كانت تدعمها نتيجة لسلوك «الإخوان» أنفسهم، وكذلك لتعافي جهاز الأمن وتنامي قدراته في مواجهة عنفهم وحلفائهم، وفي كل مرة توعدت فيها الجماعة الحكم بيوم عصيب أو نهار أو ليل حالك ظهرت النتائج على الأرض لتشير إلى أن الناس انفضوا عن التنظيم، بينما أعداد «الإخوان» من رجال ونساء صارت أقل قدرة على تثوير الشارع. أما السؤال عن تنفيذ أحكام الإعدام من عدمه فيُرحّل إلى وقت تصبح فيه تلك الأحكام نهائية، فللرئيس الحق في قبول التماسات بتخفيف العقوبات، وقد فعلها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وخفف حكم الإعدام على المرشد السابق للجماعة حسن الهضيبي، لكن القياس بما فعله ناصر غير دقيق إذ اختلف الزمان و «الإخوان». كما أن الوقائع التي دين على أساسها مرسي وبديع وباقي المحكومين هي غير تلك التي كان الهضيبي دين بسببها. الآن هناك شهداء من الجيش والشرطة والأهالي وهؤلاء لهم أسر وعائلات كما أن الشعب في معركة عبدالناصر و «الإخوان» بدا في موقف حيادي أما الآن فصار طرفاً في المعركة والقرار لن يكون للسيسي وحده.
أما التلويح بالضغوط الدولية والغضب الأميركي والضجر الأوروبي فلا مجال له إذا نجح السيسي من الآن وحتى موعد تنفيذ أول حكم في الحفاظ على التفاف الشعب حوله وتقوية الاقتصاد والارتفاع بمستوى المعيشة وتحسين أحوال الحياة والقضاء على أمراض المجتمع. علماً بأن قطاعاً عريضاً من الشعب المصري يعتبر أن أحد الأمراض التي على السيسي معالجتها تسرطن «الإخوان» في المجتمع!
محمد صلاح/موعد الإعدام!
10
المقالة السابقة