شكّل الثالث والعشرون من يوليو المجيد نقطة تحول في نهضة الوعي في عُمان باعتماده موجهات واضحة ومرتكزات تراعي الخصوصية والهوية العمانية مستمدة من مبادئ الإسلام الصحيحة وقيم المجتمع العماني الأصيلة، والنطق السامي لجلالة السلطان في كل مراحله التاريخية وعلى مدى خمسة وأربعين عاما منطلق لقياس قدرتها على تحقيق أهدافها سواء في تعامل الإنسان العماني مع مفردات التطوير ومصطلحات التنمية أو في مستوى تقبله لروح التجديد والتحديث في برامجها أو من خلال سعيه إلى اغتنام الفرص التي أتاحتها له النهضة في سبيل صناعة التميز، فنمو الوعي في المجتمع يعني قدرته على الانطلاقة نحو الاستدامة في التنمية والتنافسية والابتكارية في الإنجاز؛ لذلك كانت الدعوة إلى الثقافة المهنية الواعية والتحلي بروح المسؤولية وبناء الذات الوطنية والثقة في الكادر الوطني وتعزيز روح الإخلاص في الإنجاز وأداء الواجب مرتكزات لبناء الوعي أكدت عليها نهضة عمان كان لها أثرها في إنسانية النهضة وانسجام الغايات والأهداف مع طبيعة الاحتياج الوطني، وتقريب وجهات نظر المواطن العماني في تعاطيه مع متطلبات التنمية وجاهزيته لتقبل نتائجها وتوظيفها بالشكل الذي يقلل من فجوة الاغتراب لديه حولها، فقد امتزج هذا الترابط بينها بزيادة مستوى الوعي وتعميق روح المسؤولية وتطور طبيعة المهام، وأوجدت مناخات جديدة نمت فيها قيم الشراكة والحوار والشورى وإبداء الرأي وإتاحة فرص الاستفادة من تعدد وجهات النظر من خلال تمكين المنابر البرلمانية التي أتاحتها.
لقد أوجد هذا الوعي جوانب متميزة في حياة الإنسان العماني كان لها أثرها في انطلاقته للعالم واستعداده للتعامل مع الظروف والمتغيرات المحيطة به وبعالمه بكل مهنية ودبلوماسية عالية وحكمة في المعالجة، جعل من السياسة العمانية محل تقدير واهتمام واحترام دولي، في ظل مبادئ الثقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وحل المشكلات بالطرق السلمية وتغليب لغة الحوار والتواصل والبناء على المشترك الإنساني في معالجة مشكلات العالم، وأثمر تحقيق نتائج على مستوى المجتمع في اللحمة الاجتماعية بين طوائفه وفئاته ومذاهبه وتعزيز التكافل والتقارب وتأصيل مفاهيم راقية ونماذج عملية في التعايش والتسامح والوئام التي عكست روح الولاء والانتماء للوطن والقائد المفدى حفظه الله ورعاه، وأصلت مستوى الترابط والتكامل بين عناصر التنمية وأهدافها في بناء الشخصية العمانية القادرة على التعايش مع متطلبات الواقع والعيش في عالم متغير، وأدركت أن نهضة الوعي لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل مرتكزات العلم والعمل والإنتاجية وبناء القدرات والتدريب وتعزيز مناخات التطوير في العمل المؤسسي وتعزيز الحريات وبناء منظومة تشريعية وقضائية عادلة وتعزيز دور التعليم في بناء الفرد في مختلف مجالات حياته؛ لذلك حرصت على نشره وانتشاره بل أكدت على جودته وقدرته على تحقيق التنمية والتنافسية والعالمية مع ما ارتبط بذلك من توجيهات سامية باستمرارية المراجعة والتقييم لمسيرة التعليم وسياساتها وخططها وبرامجها، إنها الدعوة إلى بناء مرحلة التحول في منظومة العمل الوطني التي تأتي تأكيدا لمنحى ترسيخ منظومة الوعي في الفكر والسلوك والممارسة والقناعات، فقدرة الإنسان العماني على التعامل مع مفردات الحياة ومتغيراتها بمهنية إنما يعكس نجاحه في إدارة التحولات المرتبطة بحياته ووجود منظومة مؤسسية قادرة على احتوائه ودعمه والدفع به نحو التغيير الذاتي في السلوك.
وفي ضوء التحديات الفكرية والتقنية وشيوع الفكر المتطرف والجماعات التكفيرية التي تعيشها بعض مناطق العالم، وما تبثه من أفكار لاقت رواجا لها بين الشباب خاصة عبر شبكات التواصل، وما أتيح لإنسان اليوم من التواصل الحر عبر تقنيات الهواتف الذكية، يأتي التأكيد على قيمة الوعي وأهمية التعامل مع كل المعطيات المرتبطة به بفكر متجدد وثقافة متزنة وقناعة صادقة معتدلة تقيسها بميزان العدل والدراسة والتحليل والاستقراء والبحث والمؤشرات، لذا عملت النهضة العمانية على ترسيخ وعي الإنسان العماني بمشكلاته وتحديات الأمن الاجتماعي التي باتت تؤثر على سلوكه اليومي كالمخدرات والجرائم والانحراف العكسي لسلوك الشباب، وما يستهدفه في هويته ودينه وعقيدته وقيمه وأخلاقياته وقناعاته، وما يُثار أو يُفتعل من قضايا حول مواقفه وسياساته الوطنية، بما يسهم في تعميق وعي أجيال الوطن بالطرق المناسبة المرتبطة بأساليب التربية الصحيحة وترسيخ الهوية في ذاته القائمة على الدمج بين الأصالة والمعاصرة، إن على أبناء عمان وبناتها أن يستلهموا من مناسباتهم الوطنية والفكر السامي لجلالة السلطان المعظم في تأكيد قيم المسؤولية والمواطنة الإيجابية منطلقات لترسيخ منظومة الوعي بالحقوق والواجبات والمسؤوليات وتعزيزها في الممارسة وتوجيه التنافس فيها بحسب الأقرب في مستوى وعيه بمسؤوليته نحو مفردات الحياة اليومية.
رجب العويسي/عُمان.. نهضةُ الوعي
16
المقالة السابقة