عروبة الإخباري – كتب المفكر القطري محمد صالح المسفر – سمعت همسات في الرياض وعواصم خليجية أخرى، وفي عمّان، أن الأجواء السياسية بين العاصمتين عمان والرياض ليست في صفاء، وقيل إن تلك العلاقات ملبدة بسحب صيف متحركة، ورعود بالكاد تسمعها لكنها مزعجة.
زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير عمّان، الأسبوع الماضي، أدت إلى تقشع سحب الصيف وتناثرها في أجواء مختلفة، وبذلك نستطيع القول إن سماء العاصمتين صافية، تستطيع أن تهتدي بنجوم ليلها، وطرقها البرية مزدوجة الاتجاه بلا سراب يخادع الرؤية.
(2)
كتبت الكثير عن العلاقات الخليجية الأردنية، وقلت إن الأردن يشكل البوابة الشمالية الغربية لدول مجلس التعاون الخليجي، وأن السباق نحوه لاختطافه من بيننا من قبل إسرائيل وإيران محتدم، وعاتبت أصدقاء متنفذين في الإدارة السياسية الأردنية على التوجه نحو إيران في هذه الظروف التي تمر بأمتنا العربية، منبها إلى أن اقتراب النفوذ الإيراني من الحدود الشمالية للأردن، وكذلك قربه من الحدود الشرقية، أمران يؤديان إلى القناعة عند الفرس بأن الأردن يهزه الخوف، وهنا تشتد الهجمة على الأردن.
هكذا سيفسر الإيرانيون زيارة وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، لهم في تلك الفترة.
(3)
في عاصمة دولة خليجية اتهمني مضيفي بأني مسكون “بجني أردني”، قلت مداعبا أفضل جنية “وأنك لا ترى إلا بعين واحدة ما تفعله الدول الخليجية مع الأردن”. قلت لعلك صادق في قولك.
لكن، هل أُعطي الأردن الشقيق الاهتمام والدعم المالي والإعلامي الذي أُعطي للجنرال السيسي في مصر؟ قدم للسيسي وشركائه أكثر من 20 مليار دولار منذ انقلاب 30 يونيو 2013، وفي أحداث اليمن الأخيرة، أعلن وأعلن انضمام مصر إلى التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في مواجهة الحوثيين والمخلوع علي عبد الله صالح، المنشقين عن السلطة الشرعية في صنعاء، مدعومين من قبل إيران، وفي الأمس القريب، سمح بإقامة معرض سمي معرض “صور العدوان السعودي على اليمن”، واستقبلت الخارجية المصرية أيضاً وفدا يمثل الرئيس المخلوع صالح.
بينما الأردن الشقيق بقي وفيا لوعده بالوقوف إلى جانب التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وفي العام الماضي قدمت دولة خليجية معونة لتسليح الجيش اللبناني بمبلغ 3 مليارات دولار، وهنا قلت لمضيفي إن أردت المصارحة، ماذا قدم الجيش اللبناني لدول مجلس التعاون الخليجي، حتى يكافأ بهذا المبلغ الكبير، بينما القوات الأردنية ليست هناك دولة خليجية لم تستفد منها، ودماء شباب أردنيين سالت على تراب بعض دول الخليج، دفاعا عن تلك الدول، القوات المسلحة الأردنية وكذلك أجهزته الأمنية في خدمة الخليج، كما هي في خدمة الأردن.
لقد أرست بعض دول مجلس التعاون سابقة، في مساعدة من يقف إلى جانبها في الأزمات ولابد للأردن الشقيق أن يكون نصيبه الأكبر.
(4)
قلت لمضيفي: لست مسكونا “بجني / جنية أردني”، لكني أصارحك والصراحة أحيانا قاتلة، الولايات المتحدة الأمريكية لم تقبل بمجموعة (6 + 2) إعلان دمشق في 1991 وفرضت إدخال تركيا بديلا لذلك، قبلنا وقبلت تركيا الرئيس أوزال، لكن الثانية اشترطت على دول مجلس التعاون تحديث جيشها ودعم اقتصادها.
وقدمت دول مجلس التعاون دعما نفطيا بقيمة 2.5 مليار دولار، دولة خليجية بلغ إجمالي النفط المصدر منها إلى تركيا 5.4 مليون طن من أصل 9 ملايين طن إجمالي واردات تركيا من النفط الخام خلال النصف الأول من عام 1991، وكانت معظم الصادرات النفطية من بعض دول الخليج في صورة منحة، أو المعاملة التفضيلية.
في الأردن، رغم انتماء أهله العربي، وحبهم ووقوفهم معنا في كل أزماتنا، بلا منة أو تفاخر في وسائل الإعلام كما يفعل غيرهم.
أليس من حقهم علينا أن تعاملهم دولنا معاملة الدولة الأولى بالأفضلية؟
(5)
أعترف لك يا صاحبي بأن كل جن الأمة العربية تسكن جسدي النحيل في هذه الأيام، لما أصاب ويصيب الأمة من قتل ودمار وتشريد وتجويع من قبل حكام لا يستحقون الحياة، فما بالك يحكموننا.
(6)
عودة إلى زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إلى الأردن وأقول إنها فاتحة خير في العلاقات السعودية الأردنية في عهد الملك سلمان، وكذلك الخليجية، الزيارة جاءت بعد اكتشاف السلطات الأمنية الأردنية في الأسبوع الماضي، مخططا إيرانيا يستهدف أمن البلاد، فجاءت الاستجابة السعودية فورا بزيارة وزير الخارجية الجبير، ليعلن تأييد السعودية الوقوف إلى جانب الشعب الأردني الشقيق في وجه أي مخططات تستهدف أمن الأردن وسلامة أراضيه.
وفي عمان، صرح الجبير بأن المملكة السعودية تتصدى لشغب إيران في المنطقة، وحذرها من التدخل في شؤون الدول العربية، ولم ينس التدخل الإيراني في العراق المجاور لكل من السعودية والأردن.
وفي ذلك السياق قال: على الحكومة العراقية أن تجري إصلاحات جوهرية في العراق، تحفظ حقوق جميع الطوائف.
أقول هنا: إن دول مجلس التعاون الخليجي كافة يجب أن تعامل الأردن معاملة تفضيلية، لأنه شريكنا في مواجهة الحوثيين والمخلوع صالح المدعومين من إيران في اليمن، وهو شريك بكل ما يملك في التصدي للاختراقات الإيرانية في المنطقة.
إن وحدة عسكرية شاملة بين السعودية والأردن ضرورة وطنية وأمنية غاية في الأهمية.
إن تقديم الدعم للشعب الأردني الشقيق في شكل منح نفط وغاز ومشتقاتهما يخفف على القيادة الأردنية أعباء كثيرة، ويجعل جيشها أكثر ارتباطا بهمومنا الخليجية، ويجعل الجبهة الداخلية الأردنية أكثر استقرارا.
القيادات الأردنية والنخب السياسية وكذلك عامة الشعب أكثر قربا وأكثر وفاء لنا من إخواننا في مصر تحت قيادة الجنرال السيسي.
آخر القول:
حافظوا على الأردن الشقيق بكل الوسائل لكيلا يختطف منا ونحن على الأرائك متكئون، ومن بعد ذلك نكون من النادمين.
محمد المسفر/الجبير وزير الخارجية السعودي في عمّان
14
المقالة السابقة