بدا قبل فترة ليست ببعيدة، ومن خلال المعطيات المتوافرة من داخل إسرائيل والمستقاة من خلال المواد الإعلامية المنشورة على صفحات كثير من الصحف العبرية والتصريحات المتتالية لعدد من قادة الأذرع الأمنية وبعض قادة الأحزاب الإسرائيلية أن هناك اتجاهاً مؤثراً بدأ ينمو داخل مراكز القرار السياسي الإسرائيلي واضعاً قضية التعامل مع حركة «حماس» على جدول أعماله، بعد سنوات طويلة من محاولات إنهاء وجودها المادي على الأرض في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، أو إقصائها وعزلها ومحاصرتها في أفضل الأحوال.
لم يكن بروز بعض الأصوات من داخل إسرائيل مناديةً بفتح خط اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع حركة «حماس» وليد اللحظة الراهنة، بل سبق وأن تعالى كثير من الأصوات داخل إسرائيل للمطالبة بفتح دائرة الاتصالات مع كل الخريطة السياسية الفلسطينية انطلاقاً من أسباب وموجبات عدة، كان أولها أن «حماس» قوة كبيرة ومؤثرة وموجودة على الأرض ولا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال.
أما ثانيها فهو أن هناك قناعة تشكّلت عند كثيرين من القادة الإسرائيليين تُقِر بأن حركة «حماس» باتت جزءاً أساسياً من النسيج المجتمعي الفلسطيني، وتتمتع بتأييد اجتماعي وحضور مؤسساتي مؤثّر، وتأثير سياسي داخل الرأي العام الفلسطيني، وقدرة على التكيّف في الظروف الصعبة، ما جعل منها قوة سياسية من الصعب تجاهلها من حيث حضورها ونشاطها.
وكان ثالثها أمراً استثمارياً، إذ تريد إسرائيل المشاغبة، وإبراز خياراتها وبدائلها في مسار التعقيدات التي تلِفُ العلاقات التفاوضية المُتوقفة أصلاً بينها وبين السلطة الفلسطينية.
وانطلاقاً من المعطيات الواردة أعلاه، فإن نقاشات من نوع جديد فرضت نفسها تلقائياً داخل الخريطة السياسية والأمنية الإسرائيلية في شأن جدوى السياسة الإسرائيلية المتبعة تجاه حركة «حماس» خصوصاً، وقوى المقاومة الفلسطينية عموماً، وكيفية التعاطي معها، وإن كانت كل تلك النقاشات ما زالت تصطدم بجبال كبيرة وشاهقة من قناعات ومواقف بعض أحزاب ورموز اليمين الصهيوني وحتى بعض تلاوين ما يسمى «اليسار الصهيوني».
في هذا السياق، وفي مجرى الحديث عن الموقف الإسرائيلي من حركة «حماس»، يتزايد كل يوم تواتر المعلومات التي تتحدث عن وجود اتصالات غير مُباشرة بين «حماس» والطرف الإسرائيلي عبر قناة وسيطة من أجل التوصل إلى هدنة أو تهدئة طويلة نسبياً، يتم من خلالها رفع الحصار عن قطاع غزة في شكلٍ كامل. ولم يصدر حتى الآن أي مُعطى يؤكد أو ينفي تلك المعلومات في شكلٍ قاطع، سوى وجود بعض الدلالات والتصريحات القليلة التي تشي بوقوع تلك الاتصالات غير المباشرة التي يرى فيها بعض المواقع القيادية في «حماس» ضرورة من أجل السعي إلى رفع الحصار عن القطاع والبدء بإعادة الإعمار في ظل تَعَقُّد الوضع القائم الذي يحيط بقطاع غزة منذ أكثر من عامين، خصوصاً بعد تردي العلاقات المصرية مع حركة «حماس»، ومراوحة مساعي إنهاء حال الانقسام الداخلي الفلسطيني مكانها.
إن أقصى ما أفصحت عنه حركة «حماس» في هذا الشأن، كان على لسان عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية فيها أسامة حمدان الذي أوضح أن «أي ترتيبات يجب أن تكون في سياق تفاهم وطني فلسطيني عام، وكل من جاءنا من الأطراف الأوروبية المختلفة، قلنا ما جرى معهم في الغرف كما قلناه في الإعلام. أما السلطة الفلسطينية فهي مُطّلعة على التفاصيل، والجانب المصري مُطّلع على هذه الاتصالات وهو يعلم بها ولا أظن أن هناك ما يسبب قلقاً أو انزعاجاً له، إذا كان ما يجري هو استكمال ما تفاهمنا عليه من أجل التهدئة وقد تأخر عاماً».
في هذا المقام، لا بد من القول بأن أي ترتيبات تجري في شأن قطاع غزة لا بد لها من أن تَلحظ ضرورة توفّر التوافق الوطني الفلسطيني، فحركة «حماس» التي إن باتت على استعداد لإبرام أي اتفاقات للهدنة أو التهدئة من أجل رفع الحصار عن القطاع، وإن كانت تلك الاتصالات تتم بصورة غير مباشرة، عليها أن تعلم أن الأرضية الشعبية لن تقبل بأي اتفاق لا يضمن التوافق الوطني العام أولاً، ورفع الحصار وإعادة الإعمار ثانياً. وعليه من الضروري إعادة إحياء الجهود الصادقة من أجل طي ملف الانقسام، وإحلال التشاركية الوطنية قولاً وعملاً في صياغة وصناعة القرار الوطني الفلسطيني.