لم أستغرب تصريح الشيخ فيصل بن جاسم آل ثاني في احتفالية راف بسفراء الرحمة عندما قال إن (قطر أحدثت ثورة في العمل الخيري التطوعي).
وأضيف لذلك: ليس على الصعيد القطري ولا الإقليمي، بل على الصعيد الدولي.
واجهة قطر في هذا النشاط هي المؤسسات الخيرية التطوعية إلى جانب ما تضيفه الوزارات والمؤسسات الحكومية في هذا المجال، والملاحظ بمرور الوقت هو التوسع أفقيا وعموديا، التنوع، التنافس المحمود، التواصل والاستمرارية على مدى العام، رغم أن رمضان يحظى بأهمية خاصة.
من الصعب التصور أن بلدا إسلاميا أو جالية إسلامية في بلاد الله الواسعة لم يصلها خير قطر، ولا يقتصر ذلك على غزة وسوريا وإلى حد ما العراق، بل يمتد لكافة الشعوب الفقيرة في إفريقيا وآسيا، بل يشمل حتى آسيا الوسطى وأوروبا وغيرها.
لم يعد النشاط الخيري محصورا في إطاره التقليدي (إطعام جائع) (إفطار صائم) (سلة رمضان) (كفالة يتيم) (كسوة العيد) (كفالة طالب علم) (تزويج شباب) (أضاحي العيد)، بل تنوع كما وكيفا، نسمع لأول مرة عن حملات وظفت لإغاثة شرائح مجتمعية بعينها (رمضان وياهم) للتذكير بالعجزة وكبار السن، (لمستك لونت حياتك) رسائل في متناول المتبرعين، (هذه أمنيتي) للأطفال المرضى الراقدين في المستشفيات، (تحدي العطاء) دعم تعليم الأطفال في العالم (رتل وارتق) تكريم حفظة القرآن، (حملة تعاضد) عائلة قطرية تكفل عائلة سورية، (السكن البديل) مشروع بيوت رخيصة للمهجرين.. (مشروع حفظ النعمة) ترشيد استهلاك الطعام بضم الفقراء إلى موائد الأغنياء..
أما آخر الابتكارات فكانت (حملة فك كرب الغارمين) لمساعدة المديونين في تسديد ديونهم المستحقة تمهيدا لإطلاق سراحهم وعودتهم الكريمة للحرية.
النقلة النوعية كانت في التحول من اليد السفلى إلى اليد العليا، أي تحويل الأسر الفقيرة المتعففة بدل أن تكون آخذة مكسورة إلى معطية ومنتجة وفاعلة (مشروع الانتقال من الإغاثة إلى التنمية) بإقراض الأسر برأسمال يكفي لإدارة مشروع صغير يسدد من أرباح المشروع نفسه.. كما تحققت نقلة نوعية أخرى بالتحول من الغذاء والدواء إلى بناء المرافق الخدمية، مثال المراكز الصحية، المخابز، آبار ماء صالحة للشرب، بناء مدارس، ملاجئ للأيتام والمشردين، مراكز تحفيظ القرآن..
ربما منظمات تابعة للأمم المتحدة تنشط في مجالات مشابهة، لكن ميزة قطر أنها لا تبغي سد الحاجة فحسب، بل تعمل على تجسيد روح التكافل والتضامن وإشاعة المحبة والمودة وبالتالي تمتين وشد نسيجها الاجتماعي.
أقف مشدوها، داعيا ومباركا لوقائع جرت وتجري من وقت لآخر، ولم لا، أليس هذا جدير بمحسن قطري يتبرع لوحده – ويمناه لا تعلم بيسراه – بتمويل 60 مشروعا تنمويا في سبع دول إفريقية، ويتبرع آخر بتنفيذ 24 مشروعا بكلفة 2 مليون ريال أو عندما يتبرع عدد من المحسنين في احتفالية واحدة وخلال 40 دقيقة ببناء 70 مسجدا في مناطق متفرقة من العالم… أو عندما تستهدف 12 دولة (مبادرة نماء) لتمويل مشاريع بكلفة 10 ملايين ريال لدعم الفقراء القادرين على العمل، ومؤسسة لوحدها تتكفل بإفطار 500 ألف صائم فقير في 36 دولة.
ليست البحبوحة المادية ولا الوفرة الاقتصادية السبب وراء هذا السخاء والكرم وهناك دول عديدة تضارع قطر ثراءها وغناها وأكثر، بل هو سمت هذا الشعب وأصالته ونبله وتمسكه بالكتاب والسنة.
نعمة الله على قطر لن تزول، إذ بالشكر تدوم النعم، مصداقا لقول الله عز وجل: (لئن شكرتم لأزيدنكم).
ولا أدري كيف يكون الشكر غير أن تنفق بما تحب وفوق حق الله في المال زكاة أو صدقة.
أتابع هذه الأنشطة مشدوها ومعجبا ومباركا، وبت مقتنعا بأن العمل الخيري التطوعي جعل من قطر (علامة فارقة) على الصعيد الدولي، ولهذا لم تعد قطر هي قناة الجزيرة الفضائية فحسب، ولا مونديال عام 2022، ولا الأعلى في الدخل السنوي للفرد، ولا الأغنى في الغاز الطبيعي المسال، بل هي كل ذلك وأكثر، إنها كعبة المضيوم وملاذ الملهوف وغوث المحتاج.
ألا يستحق هذا العمل الجبار صرحا مناسبا تتعهد به وزارة البلدية والتخطيط العمراني وتنصبه شامخا في الواجهة البحرية للدوحة، كما فعلت الولايات المتحدة عندما شيدت نصب الحرية على مدخل نيويورك تميزا بريادتها للديمقراطية (رغم ملاحظات أبو الديمقراطية الفرنسي أليكس توكفيل)؟
بهذا ترمز دولة قطر إلى تفردها، عربيا وإسلاميا ودوليا، بالعمل التطوعي الخيري وتذكر العالم والأجيال اللاحقة والزائرين من القادمين والمغادرين بالأيادي البيضاء لهذه الدولة على العالم أجمع.
ملاحظة أخرى، وهي الحاجة إلى مؤتمر سنوي لجميع المعنيين بهذا النشاط من مؤسسات أو شخصيات يوظف لتبادل المعلومات والتجارب والخبرات، المصاعب والحلول، تحليل وتقييم السنة الماضية ووضع الخطط بصورة مشتركة للسنة القادمة، بما يعني توزيع المهام والمسؤوليات والمناطق والمشاريع بما يحقق التكامل ويمنع الازدواجية والهدر، أي ترشيد الإنفاق بما يحقق أفضل عائد إغاثي ممكن، كخطوة أولى نحو تكامل الأنشطة الإغاثية على الصعيدين العربي والإسلامي.
وأخيرا، كنت قد عاصرت الجمعية الخيرية العالمية وجهود الكويتي رائد العمل الخيري الدكتور عبد الرحمن السميط، طيب الله ثراه وأسكنه الفردوس الأعلى، وعشت مبهورا بإنجازاته وفريق العمل معه خلال سني حياتي في الكويت، إبان الثمانينيات من القرن الماضي.
لكني لا أخفي انبهاري اليوم بما تنجزه المؤسسات الخيرية القطرية رغم شدة الظروف وعظم التحديات.
بارك الله في جهود الجميع، السابقون منهم واللاحقون.
طارق الهاشمي/رشحوا قطر لريادة العمل الخيري في العالم
13
المقالة السابقة