عروبة الأخباري – استذكر كتاب ومثقفون واكاديميون جهود العلامة الاردني الراحل الدكتور ناصر الدين الاسد، وذلك في ندوة فكرية نظمها معهد المخطوطات العربية بالتعاون مع معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة حملت عنوان “ناصر الدين الأسد: مشروع فرد، مشروع أمة”.
جاءت الندوة التي شارك فيها كل من : الدكتور محمد محمد أبو موسي والدكتور صلاح فضل، والدكتور خالد زيادة سفير لبنان بالقاهرة، تقديرًا للقامة الفكرية والعربية الإسلامية التي يمثلها الدكتور الأسد والذي يُعد أحد الأعلام الكبار في القرن العشرين.
وبينت الندوة التي سجلت وقائعها عائشة المراغي ونشرت في صحيفة (اخبار الادب) القاهرية: أن الأسد أثرى الحياة الفكرية والثقافية والأدبية العربية، وترك 74 عملاً ما بين تحقيق وتأليف ودراسة وترجمة، كما أسس عددّا من المؤسسات البحثية والأكاديمية، منها تأسيسه للجامعة الأردنية التي رأسها مرتين، إضافة إلي شغله مناصب ثقافية مهمة في الجامعة العربية في خمسينيات القرن الماضي وفي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الستينيات والسبعينات، منها المدير العام المساعد للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وكان أستاذًا في معهد البحوث والدراسات العربية في تلك الحقبة، وفي الثمانينيات كان عضوًا في المجلس الاستشاري لمعهد المخطوطات العربية.
افتتح الندوة؛ التي صاحبتها مجموعة من الصور المتنوعة من حياة ناصر الدين الأسد وكتبه، الدكتور فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات العربية، لافتا إلى أن الدكتور الأسد انشغل بالأسئلة الكبيرة التي تتوقف عليها النهضة ولا تقوم التنمية إلا بها مثل أسئلة تطوير التعليم وإشكاليات اللغة والإبداع العلاقة بالتراث.
وتحدث الدكتور صلاح فضل عن نشأة الدكتور ناصر الدين الأسد العلمية، وتكوينه المتميز باللغة الإنجليزية في الكلية العربية بالقدس وعرج بعدها على علاقة الأسد بمحمود شاكر وطه حسين، وأن رسالته في الدكتوراه كان منشأ فكرتها هو الرد على كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين .
واضاف فضل ان المنطلق الديني عند الأسد هو المنطلق المؤسس للوعي والمعرفة العلمية، ويقوده ذلك إلي ما يطلق عليه تعقل سنن الكون، وهو ما يترك باب العلم مفتوح علي مصراعيه، وبداية العلم العربي لديه تتمثل في علوم القرآن والسنة وفقه العلوم الشرعية، ثم في علوم اللغة العربية، حيث يقول أن هذا التأسيس الأصيل للفكر العلمي الإسلامي هو الذي حمي الثقافة الإسلامية العربية من أن تذوب في الثقافات الأخري وأعطي لها طابعها المميز، وجعلها عندما قامت بالترجمة تحتفظ بشخصيتها كاملة بين الثقافات القديمة.
واشاد الدكتور أبو موسي بغيرة الراحل على اللغة العربية ومناصرتها واحيائها وتصحيح الحديث عنها، مبينا انه من المؤسف أن من مثل الاسد يذهبون وليس لهم بدائل وتبقي أماكنهم شاغرة، وكان من الواجب علي علماء الأمة وعقلائها أن يدرسوا هذا الشأن، لأن ذهاب الكفاءات نذير خطر لهذه الأمة، كان أهل الجاهلية القدامي قبل الإسلام بزمان يذكرون أنه إذا غاب منهم كوكب ظهر فيهم كوكب لأنهم لا يقبلون أن تغيب نجومهم وكفاءاتهم وتبقي أماكنهم خالية.
و زاد أبو موسى ان الذين يقرأون كتب الأسد يجدون فيها شخصية مولعة بالقراءة ومساءلة الكتب والتراث والعلوم، ظهر ذلك بينا في رسالتيه عن الشعر الجاهلي، وفيهما كشف المخبأ في المصادر والكتب وطرح نتائج مذهلة بفعل العمل العلمي الدؤوب الذي كان يتميز به.
ورأي أن الجيل الجديد من الباحثين يجب أن يطلع علي أبحاث الاسد ليعرف كيف كان يقرأ الكتاب المطول ليستخرج منه نصا واحدا، فقد كانت عناية المرحوم الأسد بالشعر الجاهلي مبكرة فيها استقصاء المصادر والمراجع واستخراج النصوص وهو من هؤلاء الناس الذين يبحثون عن المناطق الملتبسة ويعيشون فيها ليزيلوا لبسها فقد فسر الأسد الأمية تفسيرا غير الذي في أذهاننا، وهو أن أمة أمية هم من لا كتاب له، وكما أن من أهم ما حرص الأسد علي إثباته في القيمة التاريخية لمصادر الشعر الجاهلي.
وسلط السفير اللبناني الدكتور خالد زيادة الضوء علي جانب آخر من شخصية الأسد هي رؤيته الحضارية وخطه الفكري التقدمي، وتوجهه الإصلاحي الذي يدعم القومية العربية المعتدلة، التي لا تلغي القوميات الأخري، فقال: “لقد كان الأسد هو الوجه الأدبي والتربوي للأردن وإذا كان قد تقلد في مناصب عديدة منها السفارة والوزارة فإنه كان علي الدوام الرجل التربوي مدرسا وأستاذا وعميدا، نشأ في خضم النقاش الفكري والثقافي وظل أمينا لتراث الإصلاحية العروبية الذي أطلقته الثورة العربية الكبري، كانت تلك الثورة التي أطلقها الشريف حسين الهاشمي في مكة عام 1916 والتي شارك فيها سوريون وعراقيون ولبنانيون ومصريون قد أعادت الاعتبار للعروبة، هذه العروبة المتصالحة مع الإسلام، هذه هي البيئة الثقافية والسياسية والفكرية التي نشأ فيها ناصر الدين الأسد، ولعل إسهامه كان في الإحياء الأدبي واللغوي قبل كل شيء آخر، ومع ذلك فإنه كأحد أبناء هذه المدرسة الإصلاحية، فقد نظر إلي العروبة علي أنها إرثا حضاريا وتعبيرا عن الشخصية العربية وليست دعوة سياسية، وإذا كان الأسد آمن بأن الإسلام هو أحد أبعاد العروبة، فكل مسلم هو عربي بالمعني الثقافي وليس كل عربي مسلم بالمعني الديني، وكذلك كان إسلام الأسد، إصلاحي لا سياسي، فالمنطلق الديني عند الأسد هو المنطلق المؤسس للوعي والمعرفة العلمية، ويقوده ذلك إلي ما يطلق عليه تعقل سنن الكون، وهو ما يترك باب العلم مفتوحا على مصراعيه.