عروبة الإخباري – رفع الإعلامي العُماني يحيى بن علي السلماني علم السلطنة عند وصوله الدرجة 90 أعلى نقطة شمال الكرة الأرضية وذلك في التاسع من شهر يونيو الجاري خلال مشاركته في رحلة استكشافية علمية أبحرت من مدينة مورمانسك الروسية على ظهر أكبر كاسحة للجليد في العالم تعمل باستخدام الطاقة النووية.
وأشار السلماني في حديث خاص لـ (الوطن) بعد عودته من رحلته التي استمرت لمدة اسبوعين إلى “أن يوم التاسع من يونيو سيبقى منحوتا في ذاكرتي ما حييت، وأنني أشعر بالفخر والاعتزاز لتمكني من تحقيق حلم وصولي إلى هذا الموقع الجغرافي الاستثنائي، وقد تشرفت برفع علم بلدي الغالي عُمان في أقصى نقطة شمال الكوكب الذي نعيش عليه”.
وأضاف السلماني: لقد كان علم السلطنة هو العلم العربي الوحيد الذي رفرف في سماء المنطقة القطبية وطوال فترة الإبحار بجانب عدد من الدول الأوروبية والآسيوية والأميركية والاسترالية التي مثلت مختلف قارات العالم، وخلال مشاركتي في الفعاليات التعريفية بالسياسات البيئية التي تتبعها جميع الدول المشاركة في هذه الرحلة الاستكشافية تشرفت بعرض كلمات من النطق السامي لمولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله: “الحفاظ على البيئة مسؤولية جماعية لا تحدها الحدود السياسية للدول” .
ونوه السلماني إلى أن برنامج الرحلة نفذ حسب الخطة الزمنية المحددة له مسبقاً، واستبعد السلماني حدوث أية حالات طارئة، عدا بعض العواصف الثلجية العارضة التي لم تستمر طويلا. وقد اشتملت الرحلة الاستكشافية على برنامج تثقيفي، فخلال فترة الإبحار عرضت أفلام وثائقية ومحاضرات تخصصية عرفت بالتاريخ الجيولوجي لمنطقة القطب الشمالي (ارتكتيك)، كما تم إمداد المشاركين بتفاصيل دقيقة تتصل بالتنوع الأحيائي التي تتفرد به القارات القطبية.
ولمعايشة مناخ المنطقة القطبية لم تقتصر الرحلة على الإبحار فقط، فقد تم القيام بجولات استكشافية بعد الوصول إلى الدرجة 90. وقد تم تخصيص ما يقرب من عشرين جولة جوية باستخدام طائرة هيلكوبتر حلقت في سماء المنطقة القطبية، وهو ما وفر الفرصة لجميع المشاركين للكشف عن التفاصيل الجغرافية والطبيعية التي تتفرد بها القارة القطبية. وفي الحالات التي كانت بها الحالة الجوية هادئة ومستقرة تم الاستعانة باستخدام البالون الهوائي (البرشوت) للوصول إلى بعض المرتفعات الجليدية منحت أعضاء فريق الاستكشاف الفرصة لالتقاط صور فوتوغرافية للتشكيلات الجليدية الرائعة التي تضفي منظرا جماليًّا لمنطقة القطب الشمالي.
وأشار السلماني إلى أن القطب الشمالي منطقة خصبة لتكاثر الدببة القطبية وأنواع نادرة من الفقم والطيور والدلافين البحرية. وقد وفرت الرحلة الاستكشافية الفرصة الحقيقية لمشاهدة جميع أنواع الحياة الفطرية عن كثب باستخدام مناظير التقريب الحديثة. وأثناء إبحار العودة من القطب الشمالي إلى مدينة مورمانسك الروسية، تم التوقف في منطقة “فرانز جوزيف لاند” وهي أرخبيل جيولوجي تقع في بحري بارنتس وكارى وتتضمن تشكيلات جليدية رائعة، كما تأوي أنواع عديدة من الطيور والفقم البحرية.
وأضاف السلماني: “سبق لي وأن قمت بجولات استكشافية على متن سفن سياحية عالمية، إلا أن تجربة ارتيادي لأكبر سفينة كاسحة للجليد في العالم فهو أمر مختلف تماما. إن سمك الجليد الذي كانت تبحر عليه السفينه قد بلغ في المنطقة القطبية خمسة أمتار، وكانت كاسحة الجليد الروسية (فيكتور 50) تخترق هذه الكتل الجليدية بكفاءة عالية لمدة أربعة أيام متوالية حتى الوصول إلى الدرجة 90 للقطب الشمالي مؤكدا على أن طول هذه السفينة يبلغ 150 مترا وعرضها 30 مترا، وتبلغ أقصى سرعة لها 15 عقدة”.
وعقب الوصول إلى القطب الشمالي، شارك السلماني في جميع الأنشطة التي نظمت من قبل فريق الاستكشاف، وابتهاجا بوصوله إلى هذه النقطة الجغرافية تمكن السلماني من الغطس في مياه وصلت درجة حرارة المياه فيها إلى درجتين تحت الصفر. وهو ما يعادل تقريبا نفس الدرجة التي قام فيها بالغطس في منطقة الانتاركتيكا بالقطب الجنوبي في عام 2013م. وخلال رحلته الاستكشافية فقد حصل السلماني على شهادة انضمامه رسميا إلى أعضاء “نادي الغطس في المناطق القطبية” بعد محاولته الجريئة في الغطس والسباحة في مياه المحيط المتجمدة.
وأضاف السلماني: إن أهم ما يمكن تسجيله خلال هذه الرحلة أيضا هو ترشيحه خلال فترة الابحار للإعلان لجميع المشاركين عن احتفاء العالم بيوم البيئة العالمي الذي صادف يوم الخامس من يونيو 2015 ، وهو ذات اليوم الذي احتفل فيه السلماني بعيد ميلاد ابنته الثالث”فاطمة” التي ولدت في ذات اليوم من عام 2012م. وقد جاء ترشيحه للإعلان عن هذا اليوم من بين جملة المشاركين تقديراً لخبراته الأكاديمية والعملية في مجال البيئة التي تزيد على 22 عاما.
وعن الصعوبات التي واجهها خلال رحلته يقول: “بفضل من الله، لم نواجه أي صعوبات، فالفريق القائم على تنظيم الرحلة كان دقيقا في تسجيل مستويات تقلبات الأحوال الجوية وكانت تقديراته ناجحة، أما بالنسبة لي شخصيا فرغم فارق درجات الحرارة بين السلطنة التي تصل إلى الأربعينيات وبين درجات حراة متجمدة تحت الصفر، إلا أنني استفدت من خبرة رحلتي الاستكشافية السابقة للأنتاركتيكا في القطب الجنوبي باتباع طريقة (تكنيك) متعارف عليه لتجنب أية أضرار صحية في مثل هذه الأحوال المناخية. ما يذكر هنا هو إسهام التقلبات المناخية في التمكن من التقاط صور فوتوغرافية في بعض الايام نظرا لزخات البرد الكثيفة وتزايد نسبة الضباب في بعض المواقع التي تضمنتها الرحلة الاستكشافية”.
ونوه السلماني خلال حديثه بأن طموحه لن يتوقف عند حدود المناطق القطبية، وإنما سيواصل رحلاته الاستكشافية في مختلف قارات العالم خلال السنوات القادمة رغم تكاليفها المالية الباهضة التي قد تأخذ منه الوقت الكثير لتوفيرها، ويتوق السلماني إلى توثيق حياة الناس وأندر المواقع التاريخية ومراقبة سلوك عناصر التنوع الأحيائي الذي تحظى به عدد من دول العالم، وهو متشبث بمقولة هيلين كيلر، الأديبة الأميركية التي تعتبر أحد رموز الإرادة الإنسانية: “الحياة مغامرة جريئة أو لا شيء على الإطلاق”.
وفي نهاية حديثه وجه السلماني شكره لجميع وسائل الإعلام المحلية، لا سيما الصحافة المقروءة، التي لم تتوان في تعريف مختلف فئات المجتمع بأهداف رحلته الاستكشافية إلى القطب الشمالي، مشيرا إلى أن هذا الاهتمام الإعلامي يؤكد على مدى إدراك المختصين بهذه المؤسسات الصحفية بأهمية تتبع أخبار مسارات الرحلات الاستكشافية التي يبادر في القيام بها نخبة من الشباب العماني الطموح.