ما حصل في الموصل منذ سنة (في العاشر من يونيو عام 2014) كان خارج توقعات أفضل المحللين والمتابعين للشأن العراقي، بل وخارج توقعات المهاجمين أنفسهم الذين ثبت أنهم خططوا للاستيلاء على الجانب الأيسر من مدينة الموصل فحسب ناهيك عن التمدد في أو خارج الموصل!! بضع مئات من المقاتلين (قيل العدد لا يتجاوز 400) بتجهيزات وأسلحة خفيفة يعبرون الحدود من سوريا دون عوائق ويهزمون قوات نظامية زاد عددها على مائة وثلاثين ألف مقاتل مجهزين بآخر ما عرفته الصناعة الحربية الأمريكية من أسلحة تقليدية، ملاك فرقتين عسكريتين بما فيها من كتائب مدفعية ودبابات وهندسة وآليات مدرعة بلغت 2400 عجلة…إلخ، لم تحصل مواجهات ولا معارك ولا حروب بل انكسارات مذلة وهروب كبير يدعو للريبة والشك، والقادة حيث المفروض آخر المنسحبين أول من ينكفئ مهزوما تاركا جنوده وسلاحه (شرفه) بل حتى ملابسه العسكرية.. ما حصل لم يكن لسبب نقص العَدد أو العدد بل لافتقار الجيش إلى عناصر أساسية تعني بنوعية المقاتلين، باختيار الأفراد وطريقة تدريبهم وإعدادهم للحرب، بسبب غياب عقيدة عسكرية تتلاءم والتحديات.. لكن العامل الأبرز ربما يعني من جهة تدني المعنويات ومن جهة أخرى انحطاط مستوى القيادة التي تتحمل وزر ما حصل.
قطعا ما كانت هذه القطعات لتنسحب وما كان القادة الميدانيون يجازفون بسمعتهم أمام العراقيين جميعا وبتعريض أنفسهم لجريمة عقوبتها الإعدام لولا أوامر صريحة وواضحة صدرت حصرا من القائد العام السابق للقوات المسلحة المخلوع نوري المالكي، وهذا ما أعترف به أمام اللجنة التحقيقية في مجلس النواب قائد القوات البرية الفريق علي غيدان، بالطبع ينكر المخلوع ذلك ويتنصل بل ويتهم قيادات في الجيش وشخصيات سياسية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بإدارة الملف الأمني!! وبصرف النظر عن ذلك فإن ما حصل يعتبر سابقة خطيرة دمرت سمعة جيش كان إلى الأمس القريب يحسب له ألف حساب، هذا إذا لم يجر تدارك الأمر بتحميل المخلوع المالكي كامل المسؤولية.
المفارقة، بعد مرور سنة – بوصفه – في حينها القائد العام للقوات المسلحة المخلوع نوري المالكي مازال حرا طليقا رغم أن التهمة التي يواجهها هي (الخيانة العظمى)، أما لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب فهي مسلوبة الإرادة بسبب نفوذ إيران ولهذا ترددت – اللجنة – حتى الآن في إصدار تقريرها النهائي حول الكارثة ونراها تستغرق في البحث والتحري بعيدا وخارج دائرة اتهام المخلوع وقد توجهت بأسئلتها مؤخرا إلى رئيس الإقليم مسعود البرزاني ونائب الرئيس النجيفي وأخيه محافظ نينوى أثيل النجيفي وكأن الثلاثة كانوا عند الهجوم على الموصل هم المسؤولون فعلا عن الملف الأمني وليس المخلوع نوري المالكي!!.
المخلوع المالكي أصدر الأوامر بالانسحاب لغرض في نفس يعقوب، وهي الحقيقة التي لا حقيقة سواها، ومع أن الكل لديه هذا الانطباع والقناعة.. فإن اللجنة لا تملك الشجاعة لتوجيه الاتهام للمخلوع خوفا وفرقا من إرهاب مازال يمارسه بشدة من خلال أذرعه الممتدة في الدولة العميقة.. اللجنة لا تبحث عن حقائق جديدة وهي واضحة وضوح الشمس بل ربما عن كبش فداء مناسب يجري اختياره بهدوء لا يثير لغطا أو ردة فعل شعبية واسعة، هذا هو الحال في العراق وكما قيل “عش رجبا ترى عجبا”.
تمكن تنظيم الدولة من الموصل، وأعلن الخلافة، بل توسع شرقا وغربا، وخاض حروبا مازالت نيرانها مشتعلة في العديد من مناطق نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار.. وتنتظره حروب ربما كانت قاسية يقودها التحالف الدولي في نينوى والأنبار، ومتى تمسك بالأرض ورفض الانسحاب من المدن فإن مآلها الدمار والخراب، مدن سوريا مثلا، وإذا ما قرر الانسحاب فإنه بذلك يمهد لاجتياح ميليشيات الحشد الطائفي وتعرض المدنيين إلى مجازر لم يسبق لها مثيل.. الخيارات صعبة.
التطرف ليس حلا وليس به يمكن أن نبني دولة، ولو كانت الظروف طبيعية والدولة قوية ومؤسساتها رصينة إذا لا مجال لنمو التطرف.. لكن الإشكالية أن الصفويين المتطرفين خلاف ما يعلنون هم يغذون التطرف المقابل ويسعون بكل السبل من أجل توسيع حاضنته بإغلاق جميع منافذ الحياة بالظلم والقهر والتمييز، بالتطهير الطائفي الذي عبر عنه مؤخرا ودون حرج المخلوع المالكي في خطاب له في كربلاء.
أما المصداقية في محاربة التطرف فتكمن في اجتثاث أسبابه بدل الانشغال بظاهره، ولا أرى في هذا السبيل أي مؤشر حتى اللحظة، لهذا أعتقد أن ظاهرة التطرف باقية، ويبدو المطلوب أن تبقى ولو لأجل.
طارق الهاشمي/انقضى عام على الهروب الكبير في الموصل
16
المقالة السابقة