كان النقاش في مجلس الوزراء عن تكليف الجيش التعامل مع الوضع في عرسال وجرودها، ولم يكن في أي “توك شو” فضائي، ومع ذلك كان نقاشاً بالغ البؤس، بدليل أن أحد الوزراء، وفقاً للتسريبات، تحفّظ عن ابداء “الثقة بقيادة الجيش” لئلا تفسّر بأنها موافقة على التمديد لقائد الجيش، فيما يطالب وزراء “التيار العوني” بتعيين مرشحهم – الوحيد أيضاً – قائداً جديداً “ولو خربت الدنيا”! ولنعترف بأن الوزير المتحفّظ يتمتّع بمقدار هائل من الذكاء، ناهيك بالوطنية، ليدلي بهذا الهراء. وإلّا فكيف يمكن تكليف الجيش تقدير الظروف والتصرّف من دون الوثوق به. حتى الأمين العام لـ”حزب الله” لم يبلغ هذا الدرك، لا في ذروة الغضب والهياج الخطابي، ولا في عزّ تراجعاته الهادئة الأخيرة التي يؤمل – بلا أوهام – بأن يَثبَت عليها.
لاحظوا أن قرار الحكومة كان بديهياً، لا أكثر ولا أقل. فحرب القلمون ليست حرب لبنان بل حرب النظام السوري، و”حزب الله” ملزم ايرانياً بمساعدته واستنقاذه حيثما لا تزال هناك فرصة. في مرحلة سابقة أحرز “الحزب” نصراً في القلمون ونجح في استدراج المقاتلين السوريين المناوئين للنظام (ولـ “الحزب”) الى الجرود الحدودية، ثم استدرجهم الى اشتباك مع الجيش وراح يطالب “الدولة” (التي يعطّلها “الحزب” وحلفاؤه) ويحضّ الجيش (آخر ما تبقّى من “الدولة”) كي يحسما موقفهما فيجرّد الجيش حملة لمطاردة “التكفيريين” في الجبال وبين التلال. تلك كانت وصفة لإقحام الجيش في الصراع السوري فيصبح شريك “حزب الله” في دعم نظام اجرامي، وفي خطيئة تاريخية يمقتها اللبنانيون، بل في حرب استنزافية يضطر معها الى قبول المؤازرة مما يسمى “لواء القلعة” أو ما يشابهه من ميليشيات “الحشد الشعبي” السيئة السمعة والتي كانت وظيفتها ولا تزال تعطيل الجيش العراقي.
يُستدلّ من تغطية إعلام “حزب الله” لمعارك القلمون أن هناك لهفة متعطشة الى اعلان “نصرٍ” ما في كل صورة وكلمة، والواقع أن “الحزب” يعرف جيداً أن اللبنانيين ينظرون الى حربه الحالية على أنها محاولة لتصحيح خطأ ارتكبه في حق البلد ولا يريد الاعتراف به، أو أنها في أفضل الأحوال تكرار لحرب خاضها قبل أكثر من عام ولم يكتمل فيها “نصره”. ولمزيد من الصراحة، ليس في لبنان من نسي أسرى الجيش وقوى الأمن عند “جبهة النصرة”، ولذلك فلا أحد يعارض إبعاد المسلحين السوريين عن جرود عرسال سواء تم على ايدي “حزب الله” أو سواه، وهذا أقلّ واجب يقوم به. فمن اعتدى عليهم واستدعى انتقامهم منه كان عليه أن يردّ شرّهم، ولو اضطر لتكرار مقولته “لو كنّا نعرف لما كنّا…”! وهو سيردّدها كثيراً في المستقبل، ودائماً، طبعاً، بعد فوات الأوان.