جمانة غنيمات/لا أحد فوق القانون

منذ نحو شهر، فتحت “الغد” ملف الاعتداء على أراضي حراج ومملوكة للدولة. وشخصيا، أحب أن أصفها بـ”سرقة أراضي الدولة” من قبل متنفذين ومسؤولين حاليين وسابقين، طالما أنه ليس هناك من سند قانوني لفعلة هؤلاء.
وقد تضمن الملف وثائق تملكها “الغد”، تُظهر تفاصيل هذه الاعتداءات على حق الدولة والمواطن في آن معاً؛ كما تكشف أسماء المعتدين الذين تصيبك هوية بعضهم بالصدمة والحزن. لكننا نتحفظ على نشرها، لأن الهدف ليس شخصيا، وإنما محاولة جديدة لوضع حد لهذه الظاهرة المستفزة.
حجم الاعتداءات وعددها، وقبل ذلك من قاموا بها وعددهم، أمر يعبر عن عقلية سائدة، ترى في التكسب من المال العام حقا مشروعا، من دون أدنى تأنيب ضمير، مع وجود قانون متواطئ لا يعيد الحق لأصحابه.
قصة الاعتداء على الأراضي يجب أن تنتهي، وأن تعالج بأثر رجعي. وثمة إشارات تؤكد أن النية متوفرة للشروع بهذه المعالجة لمشكلة تمتد لسنوات.
المصادر المطلعة قالت لمندوب “الغد”، الزميل عبدالله اربيحات الذي يتابع الملف ونشرت يوم أول من أمس الحلقة الثانية منه، إن جهات رقابية طلبت، مؤخرا، من وزارة الزراعة ودائرة الأراضي والمساحة، تزويدها بمعلومات حول جميع قطع الأراضي التي جرى تفويضها أو تأجيرها، أو تم التعدي عليها، لصالح شخصيات، طيلة السنوات الماضية. كما أن ردود الفعل على الحلقات التي نشرتها “الغد” حول الاعتداءات، مريحة، وتؤكد جدية النوايا لاستعادة حقوق البلد ووقف التطاول عليها. فوزير الزراعة
د. عاكف الزعبي يجهد، بدوره، في وضع حد لهذه المعضلة.
وملف الاعتداءات على أملاك الدولة، على صعوبته، يصب في النتيجة النهائية في استعادة هيبة الدولة وعدم التطاول عليها؛ فمن يأخذ أرضا من دون حق، يتجاوز في خطيئته كل أشكال الاعتداء على المال العام.
الجديد ليس الاعتداء، بل مساعي معالجة القضية، ووضع حد لمحاولات متنفذين القيام بذلك، ظناً منهم أن البلد مفصل على مقاسهم، وأن خيراته مجيّرة لخدمتهم؛ مع ما تولده هذه الممارسات، ومثلها غض النظر عنها، من شعور بالاحتقان والظلم والتمييز السلبي عند آخرين هم الأغلبية، ينظرون إلى المعتدين والحسرة تملأ قلوبهم.
ويزداد غيظ المواطنين وهم يعلمون أن الجهات المعنية عاجزة عن تنفيذ قرارات قضائية صدرت بحق المعتدين على الأراضي، تطالبهم بإخلائها، لكن من دون احترام لتلك القرارات حتى الآن، والإصرار على محاولة القفز عنها من قبل من يعتقدون أن لديهم قانونهم الخاص، ونظريتهم الخاصة، اللذين يمكنانهم من استغلال حقوق الغير من دون وجه حق.
تكريس فكرة دولة المؤسسات والقانون، وأساسها حتماً إنفاذ مبدأ أن لا أحد فوق القانون، مسألة تحتاج إلى عمل كبير، لاسيما بعد أن تهشمت هذه الفكرة؛ تارة بيد المسؤولين والمتنفذين باستخدامهم نفوذهم لتحقيق مكتسبات خاصة، وتارة أخرى بيد الخارجين عن القانون والفارين من وجه العدالة، الذين يضربون، أيضاً، عرض الحائط بكل الأحكام التي صدرت بحقهم، وترى المؤسسات مترددة في تطبيق القانون عليهم!
سيادة القانون لبنة أساس في عملية البناء والإصلاح. فالأخير يتجاوز بالتأكيد تشريع قانون انتخاب، إلى تطبيق عدالة تريح الجميع؛ غني كما فقير يرى الانتهاكات تتوالى صراحة وجهارة.
والأولى بدلا من منح هذه الأراضي لأشخاص لا يحتاجونها إلا لزيادة ثرواتهم، أن توزع على الشباب العاطل عن العمل مثلا، لإنشاء مشاريعهم الخاصة، وفق أسس ومعايير مدروسة؛ ففي هذا نفع عام شامل متعدد الأبعاد وطويل المدى، وليس تحقيق مصالح شخصية بمنافع صغيرة وفاسدة.

شاهد أيضاً

أميركا والفلسطينيون وأزمة مستعصية (٢– ٢)* د. سنية الحسيني

عروبة الإخباري – رغم أنها تصنف الحليف من خارج حلف الناتو، إلا أن أي من …

اترك تعليقاً