هل القدس حقاً كذلك؛ عروس عروبتنا؟ أم أنه شعار بتنا نردده من دون أن نعنيه، بينما تعمل إسرائيل كل يوم حتى تُفقد القدس سكانها العرب وهويتها العربية، فتصبح فعلياً عروس إسرائيل؟
يشكو الصديق والأخ الكبير منيب المصري، بمرارة، من الوضع التي آلت إليه القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ من عملية تهويد ممنهجة تتم بشكل يومي منذ العام 1967، تهدف إلى إبقاء نسبة السكان العرب تحت 25 %، كما أدت إلى إفراغها من المسيحيين العرب بشكل شبه كامل، حتى بات عددهم أقل من أربعة آلاف نسمة، بعد أن كانوا يشكلون حوالي 20 % من سكان المدينة. وتخصص إسرائيل أكثر من مليار دولار سنوياً لشراء العقارات والأراضي العربية، بالترغيب أو الترهيب.
ومنذ العام 1967، تمت إزالة حي المغاربة داخل السور، وإجلاء سكانه العرب بالقوة. كما تمت مصادرة آلاف الدونمات خارج السور، لتمزيق الوحدة الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للمدينة. واتبعت إسرائيل سياسة استيطانية توسعية لحصار القدس من الجهات كافة، وعزل أجزائها عن بعضها بعضا، مع سياسة اقتصادية وضريبية تهدف إلى خنق الحركة الاقتصادية العربية في المدينة، ودفع سكانها للهجرة.
كل هذه السياسات وغيرها الكثير، إضافة للشراء الممنهج للأراضي والعقارات العربية، باتت تهدد عروبة القدس بشكل لا يجوز السكوت عنه في العالم العربي الذي ما يزال يكتفي بالشعارات والدعم اللفظي في المؤتمرات، بينما تعمل إسرائيل على أرض الواقع لتهويد المدينة بشكل دائم. وقد وصل حجم الاستيطان داخل القدس العربية إلى حوالي مائتي ألف مستوطن، بما يقترب من العدد الإجمالي للسكان العرب في المدينة.
وحتى تتم مواجهة هذا الخطر الإسرائيلي عملياً، ومنع إسرائيل من فرض أمر واقع جديد سيكون من الصعب تغييره، فقد بادر السيد منيب المصري إلى اخراج فكرة “صندوق ووقفية القدس” إلى حيز الوجود. ويسعى “الصندوق” إلى الحفاظ على المدينة وتنميتها وتعزيز صمود أبنائها، وشراء العقارات والأراضي العربية المهددة ممن يريد بيعها، قبل أن يفعل ذلك الإسرائيليون، وتحويلها إلى وقف إسلامي أو مسيحي.
كما يهدف “الصندوق” إلى توفير مساكن كريمة والحفاظ على القائم منها، وتوفير التمويل بقروض ميسرة لمشاريع تساعد الناس على الصمود على أرضهم، إضافة إلى دعم قطاعات أخرى في مجال التعليم والثقافة والزراعة وغيرها.
وقد تم تشكيل مجلس أمناء من شخصيات مشهود لها بالنزاهة والأمانة، لضمان إدارة “الصندوق” بشفافية مالية وإدارية عالية، وتنفيذ خطة تنموية لتعزيز صمود المواطنين المقدسيين، وخلق فرص وآفاق مستقبلية تساعدهم على أن يقفوا أمام محاولات طمس الهوية العربية. وقد تم وضع خطة لجمع مبلغ خمسين مليون دولار من الفلسطينيين أنفسهم؛ حكومة وشعباً، في الداخل، وخمسين مليون دولار أخرى من فلسطينيي الشتات، على أن يجمع باقي المبلغ من الحكومات العربية والإسلامية والأفراد في الخارج.
يشكو السيد منيب المصري بمرارة من الصعوبات التي تواجهها الحملة، رغم إنشاء “الصندوق” منذ عام ونصف العام. ويحذر من أن تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ القدس ومنع تهويدها، خاصة أن إسرائيل تخصص نصف المبلغ سنوياً لشراء العقارات العربية، بينما العالم العربي والإسلامي بأسره غير قادر أو راغب في جمعه لمرة واحدة!
القدس عروس عروبتنا؛ لنترك الأفعال لا الشعارات تحدد عروس من تكون القدس.
مروان المعشر/القدس عروس عروبتنا؟
16
المقالة السابقة