على عكس كل الاجتماعات الدورية السابقة التي لم يحظ أي منها باهتمام لافت، خصوصا من خارج عالم الرياضيين والمشتغلين بإحدى أهم وأكبرالصناعات الحديثة، يأتي اجتماع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” المقرر انعقاده هذا النهار في مدينة زيورخ السويسرية، كحدث دولي كبير، يتصدر مركز اهتمامات الرياضيين والسياسيين والإعلاميين والمحققين في مختلف أنحاء العالم، إلى الحد الذي يمكن معه وصف هذا اليوم بأنه يوم الجمعة العظيمة، نظرا لاستثنائية الوقائع والنتائج والتداعيات المتعلقة بصورة أكثر المنظمات الدولية ثراء وفساداً وسطوة.
وأحسب أن مرد طفرة الاهتمام، هذه المرة، ناجم من ثلاثة اعتبارات منفصلة. أولها، منافسة الأمير علي بن الحسين على رئاسة “الفيفا”، وسط ترجيحات باتت قوية بفرص فوز المرشح العربي الوحيد ضد منافسه المخضرم جوزيف بلاتر. وثانيها، الطلب الفلسطيني بتعليق عضوية اتحاد كرة القدم الإسرائيلي في الاتحاد الأكثر نفوذا من هيئة الأمم المتحدة؛ على خلفية ممارسات احتلالية فظة بحق الرياضيين الفلسطينيين. أما ثالثها، وهو الأشد إثارة، فيتمثل قي القبض على تسعة من كبار المسؤولين التنفيذيين في المنظمة الدولية التي تبدو كقلعة حصينة.
ووفق بعض المطلعين على دهاليز العالم الرياضي الواسع والمعقد، فإن المعركة الصعبة التي خاضها الأمير علي، باقتدار وكفاءة، للفوز برئاسة الاتحاد الذي يضم 209 اتحادات وطنية، للتغلب على منافسه العجوز بلاتر، كانت معركة واعدة بالفوز، رغم خذلان بعض اتحادات الكرة العربية، ومافيا المرشح للمرة الخامسة. أما اليوم، فإنه يمكن افتراض أن هذه الفرصة باتت الآن أفضل من ذي قبل، بعد نشر الغسيل الوسخ للاتحاد الدولي الذي لا تشق له عصا، وظهور قمة جبل الجليد الغاطس في بحر الفساد، وتحويل الملفات ذات الرائحة النتنة إلى القضاء الأميركي.
لا نود استعجال النهايات الطيبة، وتهنئة أنفسنا سلفاً بفوز الأمير الشاب برئاسة الفيفا، نظرا للعلاقات الأخطبوطية التي يتمتع بها قيصر زيورخ، العصي على المساءلة القضائية كما يبدو. إلا أن عيوننا سوف تظل مشدودة أيضا لمعرفة نتيجة طلب اتحاد الكرة الفلسطيني بطرد إسرائيل من “الفيفا”، لما في ذلك من مغزى فوق رياضي، وما ينطوي عليه من مكسب وطني فلسطيني، يتجاوز نطاق المستطيلات الخضراء، ويفتح الباب أمام إمكانية طرد آخر دولة احتلال من منظمات دولية أخرى مشابهة، ومن ثمة إلحاق هزيمة سياسية صغيرة، لكنها شديدة الأهمية، بالدولة التي تتصرف بعنجهية، وتحسب نفسها فوق كل القوانين الدولية.
وإذا ما نجح الجهد الفلسطيني على هذه الصعيد، فإن ذلك سيدشن جبهة كفاح إضافية ضد إسرائيل، يمكن أن تسمى بالجبهة الرابعة، وأن تزيد هذه الجبهة من فعالية الجبهات الثلاث الأخرى؛ الشعبية والدبلوماسية والحقوقية، المفتوحة معاً على احتلال يقارب عمره نصف قرن، وذلك بعد أن خلت جعبة الفلسطينيين والعرب من الخيار العسكري، وباتت القضية الفلسطينية متروكة بين أيدي أصحابها، الذين يواصلون إبداعاتهم النضالية، ويتابعون اشتباكهم مع المحتلين بأدوات كفاحية مشروعة، قد يكون الاشتباك الرياضي آخر تجلياتها الناجعة.
هكذا، فإن نتائج الاجتماع المقرر في زيورخ هذا اليوم، تأتي وسط ترقب شديد من جانب جميع المهتمين في العالم، لما تنطوي عليه من آمال قوية بفتح نافذتين تخصان العرب كافة؛ أولاهما فوز الأمير علي برئاسة “الفيفا”؛ في سابقة عربية هي الأولى من نوعها في تاريخ الاتحاد الدولي لكرة القدم. وثانيتهما، طرد إسرائيل من عضوية هذا الاتحاد الذي ينبغي تجديد شبابه وتطهير بنيته التنظيمية، ليس من آفة الفساد المستشرية فقط، وإنما من عضوية دولة الاستيطان والمستوطنين أيضا. وهما أملان لم ينبعا من فراغ، إن لم نقل إن كل واحد منهما يمثل رجاء يستحق الانتظار بلهفة.
في المعارك الطويلة، وفي الطريق المديدة نحو تحقيق الغايات الكبيرة، ينبغي عدم الاستخفاف بأي قدر من النجاح القابل للبناء عليه، ولو كان ذلك على نحو تدريجي؛ سواء أكان ذلك في ميدان الدبلوماسية أو على الجبهة الحقوقية، وفضلاً عن ذلك الجبهة الرياضية التي سيعطي النجاح فيها إشارة بالغة الدلالة على إمكانية إلحاق الهزيمة بالملاكم الإسرائيلي ذي الوزن الثقيل على الحلبة؛ ليس بالضربة الفنية القاضية، وإنما بتسديد النقاط التي يمكن مراكمتها على مدى طويل، قد يتجاوز أجل الخمس عشرة جولة المقررة.