تبدو الحكومة “الإسرائيلية” الضيقة الجديدة التي أَعلَنَ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن تشكيلها مؤخرًا، حكومة من لونٍ واحد بامتياز، حكومة يمينية مُتطرفة، تقودها الأحزاب المُتطرفة في الخريطة السياسية “الإسرائيلية”، ذات النزعات العنصرية والمعادية للشعب الفلسطيني على طول الخط. وبالتالي فإنها الحكومة الأشدُ تطرفًا وعنصرية في تاريخ “إسرائيل” والأكثر انسجامًا في عدائها للشعب الفلسطيني وحقوقه، وفي اعتماد سياسة التوسّع بالاستيطان وتهويد مدينة القدس المحتلة دون النظر لردود الفعل الدولية التي يُمكن أن تعمّق من مأزق “إسرائيل” في علاقاتها الدولية.
حكومة نتنياهو الجديدة، تَستَنِد إلى دعامتين أساسيتين هما حزب (الليكود) بزعامة نتنياهو ذاته، وحزب (البيت اليهودي) بزعامة نفتالي بينت وبقاعدة برلمانية أضعف مما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة، ومعهما حزب التوراة اليهودي المُتحد، وحزب شاس، وحزب كلنا المنتمي لتيار الوسط. وبذا فهي حكومة هشة وغير مُستقرة ورهينة للأحزاب المؤتلفة في إطارها، وهي أحزاب تَضُم في صفوفها عتاة الصهاينة من أصحاب دعوات الماضي، دعوات الترانسفير والتطهير العرقي. ونشير هنا أن من بين أعضاء الحكومة الجديدة وزيرة القضاء (ايليت شاكيد) التي دَعَت في فترات سابقة لإبادة الفلسطينيي، وهي عضوة في الكنيست “الإسرائيلي” وتمثل حزب البيت اليهودي، ويُعرَف عنها بمواقفها المُتطرفة.
بالنتيجة المُحققة، وعلى ضوء تركيبتها الفعلية، فإن الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة ستكون خاضعة لابتزاز الأحزاب اليمينية المُتطرفة المشاركة في بها، وبالتالي ستبقى رهينة لمطالب وتقديرات هذه الأحزاب، لذلك يتوقع أن تكون بعيدة عن الاستقرار، حيث بإمكان الأحزاب المُتطرفة المشاركة في الائتلاف الحكومي أن تُطيح بها في أي لحظة وأمام أي منعطف سياسي لا يستجيب لرغباتها، مما يعكس بشكلٍ واضح المسارات الآتية لعمل هذه الحكومة في ظل سيطرة مجموعات اليمين والمتطرفين عليها وعلى قرارها.
لقد سقطت الرهانات الغربية وبعض الرهانات العربية، على إمكانية قيام حكومة “إسرائيلية” قد تُعيد النظر بسياسات حكومة نتنياهو السابقة قبل الانتخابات والتي أوصلت عملية التسوية لقعر الحضيض، وأطاحت بجهود وزير الخارجية الأميركية التي بذلها طوال العام 2014 من أجل دفع عملية التسوية وإعادة سكة المفاوضات، وقال إنه بعد تشكيل هذه الحكومة التي لن يتضمن برنامجها حتى الغطاء الكاذب بالحديث عن دولة فلسطينية فإنه لم تبقَ هناك ذريعة أمام أي أطراف دولية أو عربية أو إقليمية للتهرب من ضرورة فرض الضغوطات والعقوبات على حكومة التطرف الإسرائيلية لمحاصرتها وإسقاطها.
حيث يتوقع من الحكومة الجديدة أن تَدفَعَ نحو تسريع عمليات استيطان الأرض ونهبها في منطقة القدس الكبرى، وأن تعمل على تكريس مفهوم “يهودية الدولة” بكل ما يتطلبه ذلك من سن قوانين تمييزية وإجراءات من بينها تدمير قرى وتهجير أهلها داخل المناطق المحتلة عام 1948، وإحياء وتطبيق قانون (برافر) الاقتلاعي بحق الفلسطينيين في النقب، وقد كان هذا الأمر ضمن الاتفاق الائتلافي لأطراف الحكومة الضيقة الجديدة، وهو سيؤدي حال الشروع به إلى مصادرة قرابة (850) ألف دونم من الأراضي العربية في النقب، وتهجير نحو (30) ألفا من فلسطينيي الداخل، وتصفية وعشرات القرى غير المُعترف بها بالنقب، وهدم قرابة (55) ألف بيت عربي في النقب أيضًا، بالإضافة لإدخال تغييرات عنصرية على قانون الإرث لتسهيل سلب الأراضي العربية في الداخل المحتل عام 1948.
في هذا السياق، انهالت مجموعة من التوصيات والمُقترحات والأفكار المُختلفة من قبل بعض مراكز الدراسات في تل أبيب للمُكلف بتشكيل الوزارة الجديدة، رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، وهي عادة درجت عليها مراكز الدراسات السياسية في “إسرائيل” مع تشكيل كل حكومة جديدة. وقد حَمَلت تلك المُقترحات والأفكار عنوان “المسح الاستراتيجي، لتحسين المحيط الاستراتيجي والموقف الإقليمي والدولي لإسرائيل”. خطة تأخذ بعين الاعتبار نتائج التقلبات السياسية والاجتماعية التي تَشهَدُها المنطقة والبيئة الشرق أوسطية على حد تعبير واضعيها.
إن المُعلومات المُؤكدة، تُشير بأن مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب قَدَّمَ خلال الأيام الأخيرة، خطة سياسية للحكومة الجديدة، مُتعددة المسالك لإنقاذ “إسرائيل” من أي عزلة أو انتقادات دولية مُحتملة على ضوء انسداد أفق عملية التسوية المُعطلة أساسًا منذ سنواتٍ طويلة، وذلك على ضوء تقديرات بعض مراكز الدراسات التي تقول بأن العزلة الدولية قد تزداد حول الدولة العبرية الصهيونية.
يَعتَقِد معدو الخطة أن الجمود السياسي والوضع الراهن معناهما التدهور في وضع “إسرائيل”، وكذلك تدهور وضع الجانب الفلسطيني البراجماتي الذي لا يزال مُتمسكًا بالحل السياسي التفاوضي. لذلك يرى مُعدو الخطة ضرورة بلورة مُبادرة سياسية تقوم على أساس فهم سياسي ديناميكي على حد تعبير مركز دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي”، تَقُوم على عدد من مسارات التحرك المَرنة، لتبدو “إسرائيل” من خلالها صاحبة دور إيجابي للعمل من أجل إقلاع عملية التسوية على مسارها الفلسطيني “الإسرائيلي”، يتم من خلالها عودة “إسرائيل” لطاولة المفاوضات، مع تقديم صلاحيات أوسع للسلطة الفلسطينية في المناطق (A) والمناطق (B) وتحديدًا في الجانب المتعلق بالقضايا المعيشية للمواطنين للفلسطينيين، ومن بينها أيضًا إمكانية إقامة مشاريع اقتصادية وبنيوية في المناطق (C) من الضفة الغربية، وهي المناطق الواقعة تحت السلطة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية والعسكرية “الإسرائيلية”، وتجنب أي تحوّل قد يقود إلى واقع “الدولة الواحدة”.
إن القلق الواضح في توصيات خطة مركز دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي” تبدو أيضًا من خلال الخشية من أن يقود الوضع الراهن إلى جانب عدم القيام بأي عمل سياسي نحو خلق واقع الدولة الواحدة على أرض فلسطين التاريخية لتتحول عمليًّا إلى “دولة ثنائية القومية” أو دولة عنصرية، وفي هذا الواقع ستذوب الهوية اليهودية للدولة، لهذا السبب تدعو الخطة وتوصياتها المقدمة لرئيس الحكومة القادمة للمباشرة في العمل للوصول إلى ترتيبات بين “إسرائيل” والفلسطينيين تعيد “إحياء العملية السياسية التفاوضية بمرونة أعلى وبأهدافٍ ممكنة، واختبار التقدم عند كل محطة سياسية تفاوضية واختيار خيار ومسلك مفضليْن للمواصلة، والتصرف على أساس هذه المبادئ التي يجب أن تستجيب للمصالح الأمنية السياسية لدولة إسرائيل” على حد تعبير التوصيات المشار إليها.
وخلاصة القول، إن فشل جولات المفاوضات بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية التي جرت طوال العام 2014 بقيادة وإشراف وزير الخارجية الأميركية جون كيري، والتي أريد لها بلورة مبادئ إطار للاتفاق النهائي، انهارت ووصلت إلى الجدار المسدود، والسبب الرئيسي في ذلك أن الدولة الصهيونية ما زالت تُناور، وتسعى لعَصِر الفلسطينيين وامتصاصهم إلى أبعد الحدود والقفز عن قرارات الشرعية الدولية مع استمرار عمليات الاستيطان وتهويد الأرض وهو مالم يَلحظهُ واضعي الخطة والتوصيات التي تَقَدَّمَ بها مركز دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي”، فكانت أفكارهم ليكودية تمامًا. عدا عن الموقف الأميركي المُنحاز والبعيد عن ممارسة الضغوط الجدية والحقيقية على “إسرائيل” لدفعها للنزول عند استحقاقات الشرعية الدولية قولًا وعملًا. لذلك انهارت مساعي الوزير جون كيري وعادت الأمور لنقطة الصفر.
علي بدوان/توصيات وأفكار ليكودية
13
المقالة السابقة