صور القوات العراقية المسرعة لمغادرة مراكزها في الرمادي، لا توحي بأنها عملية انسحاب امام تقدم تنظيم “داعش” الذي سيطر على المدينة، انها عملية فرار حقيقي فاضح ومخجل في ظل الأنباء التي تحدثت عن أرتال من الدبابات تركت في أماكنها وعن كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر تركت ليستولي عليها الإرهابيون!
هذه ليست انتكاسة للقوات العراقية كما قالت بغداد ووافقتها القول وزارة الدفاع الأميركية، هذه عملية خطيرة تدق مسماراً كبيراً في نعش العراق كدولة موحدة، وليس من المبالغة القول إن سقوط الرمادي مركز محافظة الأنبار هزيمة ثقيلة، أفدح بكثير من سقوط الموصل مركز محافظة نينوى قبل سنة تقريباً.
سقوط الموصل كان نتيجة عوامل كثيرة منها “جيش الأشباح” الذي صنعه نوري المالكي ومشاعر الكراهية المذهبية التي عمّقها من منطلق مذهبي، والأوامر المشبوهة التي طلبت يومها من وحدات الجيش الانسحاب أمام تقدم الدواعش. لكن سقوط الرمادي يأتي بعدما قيل انه تمّ تصحيح أخطاء الحكومة السابقة، وإن وحدات الجيش أعيد تدريبها على أساس مواجهة الإرهابيين، ولهذا ليس من المستغرب ان يسأل المراقبون، هل فرّت القوات من الرمادي أم أنها تلقت أوامر بالفرار ومن دون أسلحتها؟!
سقوط الموصل درس موجع كان يفترض ان يكون آخر الهزائم أمام “داعش”، والآن عندما يقول مارتن ديمبسي إن استعادة المدينة يتطلب جهداً كبيراً فهذا يذكرنا بالحديث السابق عن الحاجة الى ثلاث سنوات على الأقل لتحرير الموصل، وها هي الرمادي تسقط في حين يبدو من الواضح والفاجع أيضاً ان “الائتلاف الدولي” الذي شكّل لمحاربة الإرهابيين في العراق وسوريا لم يتمكن حتى الآن من وضع استراتيجيا لهذه الحرب ولا خطط لمعركة ناجحة.
ما هو أخطر من سقوط الموصل ومن سقوط الرمادي، الانهيار المتمادي لقواعد الوحدة الوطنية عند معظم العراقيين، والتصدّع المريع في علاقات النسيج المذهبي الذي يتشكّل منه المجتمع العراقي، فلم يعد الحديث يدور حول تقاعس الحكومة المركزية ذات الأرجحية الشيعية في تسليح العشائر السنّية في الأنبار بحجة الخوف من ان يصل السلاح الى “داعش”، بل عن عجز حكومة حيدر العبادي عن ضبط تصرفات بعض المسلحين في “الحشد الشعبي” الذي أحرق منازل السنّة واضطهد أحياء بكاملها في تكريت مثلاً وهو ما ندّد به مقتدى الصدر بقوة.
وعندما يُمنع اللاجئون السنّة الهاربون من الرمادي من دخول بغداد في نيسان الماضي وقبل يومين، بحجة انه يمكن ان تكون بينهم عناصر ارهابية من “داعش”، وعندما يحتاج العراقي الأنباري مثلاً الى كفيل ليُسمح له بدخول بغداد، فذلك يعني ان الفرز المذهبي ناشط وسريع على طريق تقسيم العراق!