عروبة الإخباري – طرح العرض المسرحي اللبناني “الرائعون” من اخراج ساره الموسوي، تساؤلاته الضمنية عن اعادة إنشاء الانسان مستوحيا قصة الشخصية الألمانية الشهيرة “كاسبر هاوزر” إلا انه لامس الثيمة دون التوغل الى عمق فكرة الإنسانية والحب وتداعياتها.
وكاسبر هاوزر (1812- 1833) شاب ألماني ادعى أنه نشأ في عزلة تامة في زنزانة مظلمة في قبو، وتحتوي على سرير قش للنوم ولعبة حصان خشبي فقط، وكان يجد الخبز والماء إلى جانب سريره كل صباح.
كما إدعى هاوزر أن أول اتصال كان له مع رجل غامض زاره قبل الإفراج عنه بوقت قصير، وحرص على عدم الكشف عن وجهه له، وعلمه أن يكتب اسمه وكيفية الوقوف والمشي، وان يقول عبارة “أريد أن أصبح خيالاً، كما كان والدي”، الا أنه لم يكن يفهم ما الذي تعنيه تلك الكلمات.
وكان الكاتب والمترجم النمساوي المعاصر بيتر هاندكه كتب مسرحية كلامية بعنوان “كاسبار” مستوحيا من تلك القصة وعرضت للمرة الأولى في 11 أيار 1968 في فرانكفورت بإخراج كلاوس بايمان.
وبحسب أوسكار وايلد “المسرح هو الطريقة الفورية التي يشارك فيها الإنسان مع غيره المعنى الحقيقي لأن يكون إنساناً”، تنطلق المخرجة في رؤيتها حيث يدور العرض المسرحي الذي اعده الفنان المصري احمد عزت الالفي وإتكأ على الاداء الحركي، حول تلك الشخصية “كاسبر” في محاولة لإعادة إنشاء الانسان وتلقينه مفردات الحياة ابتداءً من الحركة والموسيقا والرقص والكلام والرسم والكتابة على الجدران، إذ يقوم بإنشاء نماذج منه وعزلها من خلال شخصيات العرض الأربع (فتاتان وشابان)، يعاد تأهيلها ومراقبة تصرفاتها وردود افعالها.
المسرحية التي عرضت مساء امس في المركز الثقافي الملكي ضمن فعاليات مهرجان المسرح الحر واقتربت من التجريب، قدمت في شكل من اشكال البانتومايم(التمثيل الصامت الحركي)، تستهل مشاهدها بمصاحبة مؤثر موسيقي وتري اقرب الى الفلامنكو الاسباني، بتموضع 4 شخوص في ظل اضاءة علوية بيضاء مسلطة عليهم، اثنتان منها مسجية على طرفي الخشبة بوضعية اقرب الى وضعية الجنين، فيما الثالث جالسا القرفصاء في لوح مرتفع معلق بسلاسل ويتدلى من اعلى الخشبة والرابعة تتموضع على يسار الخشبة خلف الكالوس، ما يلبث ان تدخل شخصية العرض الرئيسة (كاسبر) من بين مدرجات الجمهور ويسرد حكايته معلنا انه من خلال هذه النماذج التي ينشئها في قبو مظلم يسعى لاكتشاف تحولاتها الانسانية.
وتبدأ شخصية العرض الرئيسة “كاسبر” بتهيئة الظروف والادوات لهم يتعلموا منها تلقائيا، فيما تقوم الشخصيات بأداء حركي صامت تعبر فيه عن اكتشافها لنفسها ومن معها ومحيطها والادوات التي تلقى لها من خلف الكواليس، ليظهر كاسبر مرة اخرى من يسار الخشبة ويردد “انني..انني اود ان اصبح مثلما كان انسان اخر ذات مرة” فيما تلك الشخوص تحاول تعلم النطق بترديد تلك العبارات، إلا انه كان ينتابهم الرعب حال رؤيتهم له وهو ما لم يوفق المخرج بايضاحه.
وجاءت المسرحية في بنائها الخارجي تعكس تجسيد ما عاشته شخصية كاسبر واكتشافه لمحيطه كانه طفل يأتي للحياة اول مرة وردات فعله على ذلك فيما في بنائها الداخلي طرحت تساؤلات حول عبارة “مثلما كان إنسانا أخار ذات مرة” بحيث تعيد مراجعة الذات لنفسها لنرى انفسنا في الاخر ونكتشف حقيقتها وماذا نريد وما يدور حولنا وعلينا.
النص المنطوق للعرض جاء بالفصحى وعلى لسان “كاسبر” فقط فيما كانت الهمهمات والاصوات التي تخرجها تلك الشخوص الاربعة الاخرى في تنوعاتها الصوتية تعكس تعبيرات حالاتهم الانفعالية المختلفة علاوة على صرخة الموت التي تتماها مع صرخة الولادة، بالإضافة الى الاداء الحركي والمؤثر الموسيقي المتغير والمصاحب والخطوط ومحاولة الكتابة على اسطح الكواليس علاوة على التشكيلات الهندسية المرسومة على الخشبة بشكل متاهات والتي تحمل في مضموناتها الخيارات الانسانية وحالة التيه التي قد يعيشها، شكلت كلها نصا غير منطوق.
واقتربت المخرجة في خلق التكوين البصري من مفهوم الكسندر دين الذي يعتبر ان التكوين هو التكنيك مبتعدة عن مفهوم أ.ف.فايفيلد الذي يعتبره تجسيد للمعنى، بحيث جاءت السينوغرافيا من الديكور والاكسوارت والملابس السوداء ولفافات القماش الطبية التي غطت اجساد الممثلتين واحالاتها والاضاءة المتحركة والمتغيرة تقنيات لخلق ذلك التكوين دون سبر العمق والمعنى.