كان معروفا منذ ما قبل لقاء كمب ديفد، ولأكثر من أسبوعين، تقريبا، أن اللقاء سيتناول، في مداولاته، موضوعين رئيسين، أصبحت المواقف التفصيلية لكلا الفريقين الأمريكي والخليجي، إزاءهما، واضحة وضوحا يصعب تصور أن تأتي المداولات، حولهما، بجديد. وهما:
أولا، العلاقات الأمريكية الخليجية، وهي علاقات تحالف وثيقة، في مواضيع مثل التعاون الأمني والعسكري من حيث التسليح والتدريب والالتزام الأمريكي بأمن الدول الخليجية؛ ثم التعاون بين الجانبين فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب- داعش بصورة خاصة.
ثانيا، الموقف من سياسات التدخل الإيراني في المنطقة العربية وسيطرة إيران على ثلاث عواصم عربية؛ وقرارها الواضح في متابعة طريق حافة الهاوية، بالتعرض للدولة العربية وتفكيك أية دولة تستطيع الوصول إليها، كما حدث في سورية والعراق وكما تحاول في مصر؛ وكما حاولت في اليمن وكادت تنجح نجاحا لا تفيد معه أية محاولات لاحقة لتلافي نتائجه الخطيرة.
موقف الولايات المتحدة من سياسات إيران هذه، وإن كان واضحا، حين يعلن عنه، في المناسبات، كمناسبة اللقاء في كمب ديفد، إلا أنه من حيث وسائل وضعه موضع التنفيذ، لم يكن مرضيا للدول الخليجية أو مقنعا لها. كما لم يكن هناك ما يشير بأن الاجتماعات السداسية ستغيره ليقترب من فهمهم لسياسة أمريكية يقبلونها. لذلك لم يشارك في اللقاء قادة أربعة من دولها الخمس المشاركة فيه.
كان مؤتمر القمة العربي الأخير في شرم الشيخ قد أكد على هذا الاتجاه الإيراني وقرر مواجهته. ومن أجل هذا كان قرار تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة، سبقتها عاصفة الحزم، وقرار عشر دول عربية استعادة الشرعية في اليمن. وهما قراران يشيران إلى تصميم عربي في التعرض، مستقبلا، لمحاولات كتلك التي تمارسها إيران في الدول المشار إليها.
في هذا الموضوع، بالذات، اختلفت المواقف الخليجية عن الموقف الأمريكي اختلافا كان واضحا أن محادثات كمب ديفد لن تجد له حلا، ولذلك جاءت مشاركة الدول الممثلة فيه على الشكل الذي جاءت عليه، لتقتصر مداولاته على ما يشبه المراجعة العادية لسياسات قديمة لا خلاف حولها.
فالرئيس أوباما عاقد العزم، كما يبدو، على التوصل للاتفاق النووي مع إيران، قبل الاتفاق معها على موقف عملي واحد ملزم لها، ينهي الأزمة في سورية، مثلا؛ حيث تحول السوري إلى مجرد مندوب إيراني سام في القرداحة، محاط بمستشارين إيرانيين يقفون على رأس قوة عسكرية قوامها تشكيلات مليشياوية طائفية لبنانية وعراقية تفوق من حيث العدد عشرة تشكيلات، بالإضافة للحرس الثوري الإيراني فيما يشبه غزوا أجنبيا للبلاد؛ كما تجد بإمرتها سلاحا جويا سوريا مهمته إسقاط البراميل المتفجرة على المدنيين السوريين كما لو كانوا أعداء يجب التخلص منهم.
وكذلك الأمر في العراق حيث المليشيات الطائفية التابعة لإيران والقيادات الإيرانية داخل البلاد، تعيث فسادا وتقسيما وبطرق لا تختلف، من حيث الأهداف التي يقرأ المرء الحركة باتجاهها عما يجري في سورية.
كانت إيران تعاني، وبسببب الحصار الأمريكي عليها، من نقص في الموارد المالية اللازمة لدعم سياساتها الخطيرة تلك في سورية والعراق واستقدام أنصارها من أفغانستان ودول وسط آسيا لإدامة الصراع فيهما. ومع ذلك فقد تدبرت أمرها، ولو بصعوبة، كما تبدى مؤخرا على الساحة السورية. فكيف لو وقعت مع دول (5+1) الاتفاق النووي الذي سوف تكون أولى نتائجه الإفراج عن 70 مليار دولار لها، مجمدة في البنوك الأمريكية؛ هذا بالإضافة، طبعا، لفتح السوق أمامها واكتساب عشرات مليارات الدولات الأخرى من تجارة البترول والغاز. فهل ستكون إيران بعدها بحاجة لقنبلتها النووية لفرض نفسها على المنطقة والعالم؟!!
تفهّم القيادة الأمريكية للقلق الخليجي من السياسات الإيرانية المتبعة، لا يكفي. ما يكفي هو أن تجعل الولايات المتحدة من انسحاب إيران، من كلا سورية والعراق، شرطا لازما لاستكمال الاتفاق النووي، باعتبار أن سياستها الحالية في كلا العراق وسورية سياسة تعرض الأمن والسلم العالميين في المنطقة العربية للخطر. ذلك هو ما تتمنى دول الخليج أن تفعله أمريكا. أما مجرد التطمينات الدبلوماسية فهي ليست، في الغالب، غير تعبير جميل عن النوايا الحسنة التي ستكون، في العادة، ذات صلاحية عابرة وقابلة للتلف.
أما أمن دول الخليج في الجزيرة العربية، فتضمنه، مهما كان التهديد الإيراني، دول الخليج نفسها، بالإضافة للدول العربية والإسلامية المتضامنة معها. إيران تعرف ذلك وتحسب له الحساب، ولذلك تراها تتعرض له، بشكل غير مباشر، بما تفعله في بلاد الشام والعراق.
الاتفاق الواضح حول كل ذلك هو ما كان، لو تم، سيعطي لكمب ديفد الحالي معناه، ويجعل من لقاء الرئيس الأمريكي مع قادة دول الخليج العام المقبل، كما أعلن، لقاء فائق الأهمية.