د.صلاح جرار/مواقع التواصل الاجتماعي والأضرار اللغوية

لمواقع التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة فوائد لا تُحصى كثرةً، إلاّ أنّها مع ذلك لا تخلو من آثار جانبيّة سلبيّة تصل أحياناً إلى درجة الخطورة، بعضها اجتماعي وبعضها فكريّ وبعضها أخلاقي، إلى غير ذلك.
ومن الآثار السلبيّة الجانبية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ما هو لغوي: نحوي وصرفي وإملائي وما له صلة بالمفاهيم والدلالات، وغير ذلك.
ومن يتابع صفحات (الفيسبوك) على سبيل المثال، فإنه يقف على أنواع شتّى من الأخطاء اللغوية تصل إلى حدّ الفداحة، ولست أقصد هاهنا استخدام العاميات، فهذا يعود إلى المستوى الثقافي للكاتب، ولا أقصد الاستخدامات اللغوية التي ما زال الناس يتجادلون حولها مثل: رئيس ورئيسي، فهذا شكلٌ من أشكال التمحّك والتضييق على الناس. والذي أقصده هو الأخطاء التي لا يختلف عليها اثنان مثل كتابة التاء المفتوحة مربوطة والتاء المربوطة مفتوحة، وكتابة الألف المقصورة ممدودة والألف الممدودة مقصورة، وزيادة ألف بعد كلمات مساءً وبناءً ورجاءً وسواها، وجرّ جمع المذكر السالم بالواو، ورفع المثنى بالياء، وعدم التفريق بين الهاء والتاء المربوطة في آخر الكلمة وغير ذلك.
أمّا مصدر الخطورة في ذلك فهو سهولة انتشار مثل هذه الأخطاء وسرعة وصولها إلى أعدادٍ كبيرة من القرّاء، ومع تكرار مشاهدتها وقراءتها فإنّها ترسخ في الأذهان وتصبح كأنّها القاعدة وغيرها الاستثناء، ولا سيّما إذا كان لكاتبها قرّاءٌ كثيرون أو بلغوا الحدّ الأقصى من العدد الذي تسمح به مواقع التواصل الاجتماعي. وتزداد الأمور خطورة إذا كان الكاتب مشهوراً وموضع ثقة قرّائه ومحبّتهم، فإنّ الذين يقرأون له ينظرون إلى ما كتبه على أنّه النموذج الذي يحتذى، وتزداد هذه الأخطاء انتشاراً ورسوخاً في أذهان الناس إذا كانت الفكرة التي وقع الخطأ في التعبير عنها فكرة جذّابة وجميلة، فلا يشكّ القرّاء في أنّ من يأتي بمثل هذه الفكرة الجذّابة يمكن أن يقع في أخطاء لغويّة.
إنني أدعو من يغارون على اللغة العربيّة ويحرصون على سلامتها ونضارتها ممّن يعرفون التقنيات الفنية لتكنولوجيا التواصل الاجتماعي أن يسعوْا إلى تطوير برامج دقيقة تنبّه الكاتب إلى الأخطاء اللغوية التي يقع فيها في أثناء كتابته على هذه المواقع، ومع أنّ مثل هذه البرامج يتطلب جهوداً استثنائية ودقيقة وطويلة إلاّ أنّه يمكن لكلّ باحث أو خبير أن يتخصّص في موضوع محدّد فيتوزّع الجهد على عدد أكبر من الباحثين وينجز المطلوب في وقت أقصر، فيصمم أحدهم، على سبيل المثال، برنامجاً عن الهمزة وآخر برنامجاً عن جمع المذكر السالم والمثنى، وثالث برنامجاً عن إعراب الأسماء الخمسة، وآخر برنامجاً عن إعراب الأفعال الخمسة، وآخر برنامجاً عن إن وأخواتها وكان وأخواتها، وهكذا.
ولا أظنّ ذلك بالأمر العسير إذا صدقت النوايا وحضرت الإرادة والانتماء والإخلاص للعربيّة وأهلها.
salahjarrar@hotmail.com

شاهد أيضاً

أميركا والفلسطينيون وأزمة مستعصية (٢– ٢)* د. سنية الحسيني

عروبة الإخباري – رغم أنها تصنف الحليف من خارج حلف الناتو، إلا أن أي من …

اترك تعليقاً